Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 47-47)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { ياأيها الذين أوتوا الكتاب } من اليهود { آمنوا بما نزلنا } من القرآن { مصدقًا لما معكم } من التوراة { من قبل أن نطمس وُجُوهاً } أي : نغير صُورها ونمحو تخطيط أشكالها ، فلا تبقى عين ولا أنف ولا حاجب ، { فنرُدها على } هيئة { أدبارها } من الأقفاء ، أو ننكسها إلى ورائها في الدنيا ، { أو نلعنهم } أي : نخزيهم بالمسخ ، { كما لعنَّا أصحاب السبت } ، فمسخناهم قردة وخنازير ، { وكان أمر الله مفعولاً } ، لا مرد له ، ولعله كان مشروطاً بعدم إيمان بعضهم ، أو يراد بطمس الوجوه ما يكسوها من الذلة والصغار . ويراد باللعن حقيقته ، أي : نلعنهم على لسانك كما لُعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم . وهذه الآية كانت سبب إسلام كعب الأحبار ، سمعها من بعض الصحابة فأسلم في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . والمسخ جائز على هذه الأمة ، كما وقع الأمم السابقة ، بدليل ما في كتاب الأشربة من البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليكوننَّ من أمَّتي أقوام يَستحلُّون الحِر والحَريرَ ، والخمر والمعازف ، ولينزلنَّ أقوام إلى جَنِب علَمِ ، يَروحُ عليهم بسارحة لهم يأتيهم لحاجة ، فيقولون : ارجع إلينا غَدًا ، فيُبيَّتُهم الله ، ويضع عليهم العَلَم ، ويَمسَخُ آخرين قِردَة وخنازيرَ إلى يوم القيامة " . الإشارة : حملة الشريعة يخاطبون بالإيمان بأهل الحقيقة ، لأنها لبها وصفاؤها ، فإن امتنعوا من الإيمان بها ومن الإذعان لأهلها ، طمس الله وجوه قلوبهم ، وملأها خوفًا وجزعًا وحبًا للدنيا ، وردها على أدبارها ، فلا تفهم أسرارَ الكتاب ولا تفقه إشارة الخطاب ، فإن قصّروا عن حقوق الشريعة ، وغيَّروا أحكامها مُسخوا قردة وخنازير . وفي نوادر الأصول بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تَكُونُ فِي أُمَّتي قزَعةٌ ، فَيَصيرُ النَّاسُ إلى عُلَمَائِهِمْ ، فإذا هُم قِردَةٌ وخَنَازِيرُ " . قال الترمذي الحكيم : فالمسخ : تغيير الخلقة عن جهتها ، فإنما حل بهم المسخ لأنهم غيَّروا الحق عن جهته ، وحرفوا الكلم عن مواضعه ، فمسخوا عن أعين الخلق ، وقلوبُهم عن رؤية الحق . فمسخ الله صورهم وبدَّل خِلقتهم ، كما بدلوا الحق باطلاً . هـ . وبالله التوفيق .