Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 84-86)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { نفسك } : مفعول ثانٍ ، والأول نائب ، أي : لا يكلفك الله إلا نفسك . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فقاتل } يا محمد { في سبيل الله } ولو وَحدَكَ إن تثبطوا عن الجهاد ، لا نكلفك إلا أمر نفسك ، { و } لكن { حَرِّض المؤمنين } على الجهاد ، إذ ما عليك إلا التحريض . فجاهدوا حتى تكون كلمة الله هي العليا . { عسى الله أن يكف } بجهادكم { بأس الذين كفروا } ويبطل دينهم الفاسد . { والله أشد بأسًا } منهم { وأشد تنكيلاً } أي : تعذيبًا لهم . وقد حقَّق الله ذلك ففتح الله على نبيه قبائل العرب ، فلم يبق فيهم مشرك ، ثم فتح على الصحابة سائر البلاد ، وهدى الله بهم جميع العباد ، إلا من فرّ من الكفار إلى شواهق الجبال . وإنما أمرتك بالتحريض على الجهاد ، لأن الدال على الخير كفاعله ، وذلك كالشفاعة بين الناس ودلالتهم على إصلاح ذات البين ، فمن { يشفع شفاعة حسنة } بأن ينفع المشفوع له ، بدفع ضرر أو جلب نفع ، ابتغاء وجه الله ، { يكن له نصيب منها } ، أي : حظ كبير من الثواب لأنه دل المشفوع عنده على الخير ، وأوصل النفع إلى المشفوع له ، فله من الأجر مثل ما لهما ، ومنها : الدعاء بظهر الغيب ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : " مَن دعا لمسلمٍ بظَهرِ الغَيبِ استُجيب له ، وقال له الملك : لك مِثلُ ذَلِكَ " . { ومَن يشفع شفاعة سيئة } ، يريد بها فسادًا بين الناس كنميمة وزور وإحداث بدعة ، { يكن له كِفلٌ } أي : نصيب { منها } أي : من وِزرها ، وفي الحديث : " من سنَّ سُنةَ حَسَنةٌ ، فله أجرُهَا وأجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إلى يَومِ القيامَةِ ، ومن سنَّ سُنَّة سَيِّئةً فعليه وزرُهَا وَوِزرُ مَن عَمِلَ بِها إلى يَوم القيامَةِ " { وكان الله على كل شيء مقيتًا } أي : مقتدرًا من أقات على الشيء : إذَا قدر عليه ، أو شهيدًا حافظَا فيجازي على قدر الأعمال . ومن هذا أيضًا : السلام ، فإنه سبب في ثواب الرد ، لذلك ذكره الحق في سلك الدلالة على الخير فقال : { وإذا حُييتم بتحية فحيوا بأحسن منها } بأن تقولوا : وعليكم السلام والرحمة والبركة ، { أو ردوها } بأن تقولوا : وعليكم السلام . وفي الخبر : " مَن قَالَ لأخيه المسلم : السَّلامُ علَيكُم ، كتب الله له عَشرُ حَسنات ، فإن قال : السَّلامُ عليكُم ورحمَةُ الله ، كتب الله له عِشرين حَسنة ، فإن قال : وَبَرَكَاتُه ، كتب الله ثَلاثين " ، وكذلك لمن ردّ ، فإن اقتصر على السلام ، فعشر ، وهكذا … فإن ذكرَ المسلم الرحمةَ والبركةَ ، قال الرادُّ : وعليكم ، فقط ، إذ لم يبق ما يزاد ، ورد السلام واجب على الكفاية ، حيث يكون مشروعًا ، فلا يرد في الخطبة ، وقراءة القرآن ، والذكر والتفكر ، والاعتبار ، ونظرة الشهود والاستبصار ، لأنه يفتر ويشوش ، وفي الحمام إذا كانوا عراة ، وفي حال الجماع والأكل والشرب وغيرها من المسائل المستثناة . وقد نظمه بعضهم ، فقال : @ رَدُّ السَّلآم واجبٌ إلا على مَن في الصَّلاةِ أو بأكل شُغلا أو شُربٍ أو قراءةٍ أو أدعِيه أو ذكرٍ أو خُطبةٍ أو تَلبِيه @@ والسلام من تحية أهل الإسلام ، خاصٌّ بهم . لذلك استغرب الخضر عليه السلام سلام سَيدنا موسى عليه السلام فقال له : " وأنَّى بأرضِكَ السَّلامُ ، وكذلك خليل الله إبراهيم عليه السلام ، إنما أنكر الملائكة حيث سلموا عليه بتحية أهل الإسلام لأنه كان بين أظهر قوم كفار ، أما سلام أبي ذر على النبي صلى الله عليه وسلم بتحية أهل الإسلام ، قبل أن يسلم ، فلعله سمعه من بعض الصحابة قبل أن يسلم ، أو إلهام من الله . والله تعالى أعلم . { إن الله كان على كل شيء حسيبًا } يحاسبكم على التحية وغيرها . وبالله التوفيق . الإشارة : فجاهد أيها الإنسان نفسك في سبيل الله ، لا تكلف إلا إصلاحها وتزكيتها ، وحرض من يسمع قولك من المؤمنين على جهاد أنفسهم ، عسى الله أن يكف عنهم القواطع والعلائق ، فيتأهلون لإشراق قلوبهم بأنوار الحقائق ، فإن الله لا يغلبه شيء ، فمن ذكّر عبادَ الله ، ودسهم إلى حضرة الله كان حظه كبيرًا عند الله . ومن دلهم على غير الله فقد غشهم وكان مُهانًا عند الله ، وإذا وقع السلام على الفقراء فإن كانوا سالكين غير مشتغلين بالذكر وجب عليهم الرد بأحسن ، وإذا كانوا ذاكرين أو متفكرين أو سكارى في شهود الحبيب سقط عنهم السلام ، وكذلك إذا سلم عليهم اختبارًا وتعنيتًا لم يجب الرد . والله تعالى أعلم .