Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 41, Ayat: 43-44)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { ما يُقال لك } أي : ما يقول لك كفار قومك { إِلا ما قدْ قيلَ للرسل مِن قبلك } إلا مثل ما قال للرسل كفارُ قومهم ، من الكلمات المؤذية ، والمطاعن في الكتب المنزلة ، فاصبر كما صبروا ، { إِن ربك لذو مغفرةٍ } ورحمة لأنبيائه { وذو عقابٍ أليمٍ } لأعدائهم ، وقد نصر مَن قبلك مِن الرسل ، وانتقم مِن أعدائهم ، وسيفعل مثل ذلك بك وبأعدائك ، و : { ما يُقال لك } من الوحي وتخاطب به من جهته تعالى ، { إِلا ما قد قيل للرسل } وأوحي إليهم ، فلست ببدع منهم { إِن ربك لذو مغفرة } لمَن صدق وحيه ، { وذو عقاب أليم } لمَن كذب . { ولو جعلناه } أي : الذكر { قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصِّلتْ آياتهُ } أي : هلاَّ بُيّنت بلسان العرب حتى نفهمها ، كانوا يقولون : لتعنتِهم : هلاّ نزل القرآن بلغة العجم ! فقيل لهم : لو كان كما تقترحون لقلتم : هلاّ بُيّنت آياته بلغتنا لنفهمه ، { أأعجميٌّ وعربيٌّ } ، بهمزتين الأولى للإنكار ، يعني : لو نزل بلغة العجم لأنكروا وقالوا : أقرآن أعجمي ورسول عربي ؟ والأعجمي : الذي لا يفصح ولا يُفهم كلامه ، سواء كان من العجم أو من العرب ، والعجمي : منسوب إلى أمة العجم ، فصيحاً كان أو غير فصيح ، ومَن قرأ بهمزة واحدة ، فالمعنى : هلاَّ فُصّلت آياته فيجعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم ، وبعضها عربيّاً لإفهام العرب ، فيكون معنى " فُصِّلت " : نُوِّعَت . وقُرىء " أعجمي " بفح العين ، ويتجه على كونهم طعنوا فيه من أجل ما فيه من الكلمة العجمية ، كـ { سِجِّينٍ } [ المطفِفين : 7 ] و { إِسْتَبْرَقٍ } [ الكهف : 31 ] ، فقالوا : فيه أعجمي وعربي ، مخلط من كلام العرب وكلام العجم ، وأيّاً ما كان فالمقصود : أن آيات الله عزّ وجل على أيِّ طريق جاءتهم وجدوا متعنتاً يتعلّلون به لأنهم غير طالبين للحقِّ ، وإنما يتعبون أهواءهم . { قل هو للذين آمنوا هُدًى } يهديهم إلى الحق ، { وشفاءٌ } لما في الصدور من شك وشبهة إذ الشك مرض . { والذين لا يؤمنون } به { في آذانهم وَقْرٌ } أي : صمم ، فالموصول : مبتدأ ، والجار : خبره ، وقيل : في موضع الجر ، بدل من الذين آمنوا أي : هو للذين آمنوا هُدىً وللذين لا يؤمنون في آذانهم وقر ، إلا أن فيه عطفاً على عاملين ، وهو جائز عند الأخفش . { وهو } أي : القرآن { عليهم عَمىً } ظلمة وشبهة ، { أولئك } البعداء الموصوفون بما ذكر من التعامي عن الحق الذي يسمعونه ، والتعامي عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها ، { يُنادَوْنَ من مكان بعيدٍ } يعني : أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم ، كأنهم يُنادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون ، لبُعد المسافة ، وهو تمثيل لحالهم بحال مَن يُنادي من مسافة بعيدة لا يكاد يسمع من مسافتها الأصوات ، وقيل : ينادون في القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء . الإشارة : ما يُقال لك أيها المتوجه أو الوليّ ، إلا ما قد قيل لِمن قبلك من المنتسبين ، فقد أُوذِي مَن قبلك من أهل النسبة بأنواع الإذايات من ضربٍ وقتلٍ وسجنٍ ، وغير ذلك ، ففيهم أُسوة لمن بَعدهم ، { إِن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم } . ومما جرت عادة الله في خلقه ألا يُسَلِّموا لأحياء عصرهم ما نطقوا به من حِكَم ، وأَتَوا به من علوم ، ولو بلغت من البلاغة ما بلغت ، كما وقع مِن طعن الكفرة في القرآن ، على أيّ وجه جاء ، وهي نزعة جاهلية . وقوله تعالى : { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء } ، قال الورتجبي : هُدىً ، لقلوب العارفين إلى معدنه ، وهو الذات القديم ، وشفاء لقلوب العاشقين ، وأرواح مرضى المحبة وسُقمى الصبابة ، فلأنه خطاب حبيبهم ، وكتاب مشوقهم ، يستلذُّونه من حيث العبارات ، ويعرفونه من حيث الإشارات . هـ . وقوله تعالى : { في آذانهم وقر } قال ذو النون : من وُقِر سمعُه وأصم عن نداء الحق في الأزل ، لا يسمع نداءه عند الإيجاد ، وإن سمعه كان ذلك عليه عمىً ، ويكون عن دقائقه بعيداً ، وذلك أنهم نُودوا عن بُعد ، ولم يكونوا بالقرب . هـ . فكل مَن قرأه ذاهلاً عن تدبُّره بوساوس نفسه ، فهو ممن نُودي في الأزل عن بُعد . وبالله التوفيق . ولما ذكر بيان القرآن أتبعه بذكر التوراة ، تسليةً أيضاً ، فقال : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ } .