Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 30-31)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { وما أصابكم من مصيبةٍ } غمّ ، أو ألم ، أو مكروه { بما كسبتْ أيديكم } أي : بجنايةٍ كسبتموها ، عقوبةً لكم . ومَن قرأ بالفاء فـ " ما " شرطية . ومَن قرأ بغيرها فموصلة . وتَعَلقَ بهذه الآية من يقول بالتناسخ ، ومعناه عندهم : أن أرواح المتقدمين حين تموت أشباحها تنتقل إلى أشباح أُخر ، فإن كانت صالحة انتقلت إلى جسم صالح وإن كانت خبيثة انتقلت إلى جسم خبيث ، وهو باطل وكفر . ووجه التعلُّق : أنه لو لم يكن للأطفال حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة لما تألّموا . ويجاب : بأن تألم الأطفال إما زيارة في درجات آبائهم إن عاشوا ، أو في درجاتهم إن ماتوا لأنهم يلحقون بآبائهم في الدرجة ، ولا عمل لهم إلا هذا التألُّم . والله أعلم . والآية مخصوصة بالمكلّفين بدليل السياق وهو قوله : { ويعفو عن كثير } أي : من الذنوب فلا يُعاقب عليها ، أو : عن كثير من الناس ، فلا يعاجلُهم بالعقوبة . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : " واللهُ أكرم من أن يُثَنّي عليكم العقوبة في الآخرة ، وما عفا عنه فالله أحلم من أن يعود فيه بعد عفوه " وقال ابن عطاء : مَن لم يعلم أنَّ ما وصل إليه من الفتن والمصائب باكتسابه ، وأن ما عفا عنه مولاه أكثر ، كان قليل النظر في إحسان ربه إليه . وقال محمد بن حامد : العبدُ ملازِمٌ للجنايات في كلّ أوان ، وجناياته في طاعته أكثر من جناياته في معاصيه لأن جناية المعصية من وجه ، وجناية الطاعة من وجوه ، والله يُطهِّر العبد من جناياته بأنواع من المصائب ليخفّف عنه أثقاله في القيامة ، ولولا عفوه ورحمته لهلك في أول خطوة . وعن عليّ كرّم الله وجهه ـ : هذه أرجى آيةٍ للمؤمنين في القرآن لأنّ الكريمَ إذا عاقب مرةً لا يُعاقِب ثانياً ، وإذا عفا لا يعود . هـ . وقد تقدّم حديثاً . قال في الحاشية الفاسية : قلت : وإنما يعفو في الدنيا عما يشاء ، ويؤخر عقوبة مَن شاء إلى الآخرة ، فلا يلزم إبطال وعيد الآخرة . ثم الآية إما خاصة بالحدود ، أو بالمجرم المذنب ، وأما مَن لا ذنب له فما يُصيبه من البلاء اجتباء ، وتخصيص ، لا تمحيص . هـ . قلت : لكل مقام ذنب ، حسنات الأبرار سيئات المقربين ، فالتمحيص جار في كل مقام ، وراجع ما تقدم عند قوله : { لَّقَد تَّابَ اللهُ عَلَى النَّبِىِّ … } [ التوبة : 117 ] وسيأتي عند قوله : { وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ … } [ محمد : 19 ] ما يبين هذا . والله أعلم . { وما أنتم بمعجزين في الأرض } أي : ما أنتم بفائتين ما قُضيَ عليكم من المصائب ، وإن هجرتم في أقطارها كل مهرب ، { وما لكم من دون الله من وليّ } متولِّ يحميكم منها { ولا نصيرٍ } يدفعها عنكم ، أو يدفع عذابه إن حلّ . الإشارة : إذا كان العبد عند الله في عين العناية أدّبه في الدنيا ، ويبقى في حال قربه ، وإذا كان عنده في عين الإهمال أمهل عقوبته إلى دار البقاء ، وربما استدرجه بالنعم في حال إساءته ، والعياذ بالله من مكره . وإذا علم العبد أن ما يصيبه في هذه الدار من الأكدار كلها تخليص وتمحيص لم يستوحش منها ، بل يفرح بها إذ هي علامة العناية ، وإذا كانت على أيدي الناس ، لم يقابلهم بالانتصار ، بل يعفو ويصفح لعِلمه أن ذلك زيارة وترقية . وقوله تعالى : { ويعفو عن كثير } هذا والله أعلم في حق العامة ، وأما الخاصة فيشدد عليهم المحاسبة والتأديب ليرفع مقامهم ، ويُكرم مثواهم . ثم ذكر برهاناً آخر على قدرته تعالى ، فقال : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } .