Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 48-48)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { مهيمنًا } أي : شاهدًا ، والشرعة والمنهاج : قال ابن عطية : معناهما واحد ، وقال ابن عباس : أي سبيلاً وسنة . قلت : والظاهر : أن الشرعة يراد بها الأحكام الظاهرة ، وهي التي تُصلح الظواهر ، والمنهاج يراد به علوم الطريقة الباطنية ، وهي التي تصلح الضمائر ، وهو مضمن علم التصوف . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وأنزلنا إليك } يا محمد { الكتاب } أي : القرآن ملتبسًا { بالحق مصدقًا لما بين يديه } من جنس الكتاب ، أي : مصدقًا لما تقدمه من الكتب ، بموافقته لهم في الأخبار والتوحيد ، { ومهيمنًا عليه } أي : شاهدًا عليه بالصحة ، أو راقبًا عليه من التغيير في المعنى ، { فاحكم بينهم بما أنزل الله } إليك { ولا تتبع أهواءهم } منحرفًا عما جاءك من الحق إلى ما يشتهونه ، لكل نبي { جعلنا منكم شرعة } ظاهرة يصلح بها الظواهر ، { ومنهاجًا } أي : طريقًا واضحًا يسلك منها إلى معرفة الحق ، وهو ما يتعلق بإصلاح السرائر ، واستُدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة . { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة } أي : جماعة واحدة متفقة على دين واحد ، { ولكن } عدد الشرائع وخالف بينها { ليبلوكم } أي : يختبركم فيما آتاكم من الشرائع المختلفة ، أيكم ينقاد ، ويخضع للحق أينما ظهر ، فإن اختلاف الأحوال وتنقلات الأطوار فيه يظهر الإقرار والإنكار ، { فاستبقوا الخيرات } أي : بادروا إلى الانقياد إلى الطاعات واتباع الحق والخضوع لمن جاء به أينما ظهر ، انتهازًا للفرصة ، وحيَازة لفضل السبق والتقدم ، { إلى الله مرجعكم جميعًا } فيظهر السابقون من المقصرين ، { فينبئكم } أي : يخبركم { بما كنتم فيه تختلفون } من أمر الدين بالجزاء الفاصل بين المحق والمبطل ، والمبادر والمقصر ، واختلاف الشرائع إنما هي باعتبار الفروع ، وأما الأصول كالتوحيد والإيمان بالرّسل ، والبعث ، وغير ذلك من القواعد الأصولية ، فهي متفقة ، قال عليه الصلاة والسلام ـ : " نحنُ أبناء علات ، أمهاتُنا شَتَّى وأبونا واحد " يعني التوحيد . والله تعالى أعلم . الإشارة : اعلم أن نبينا عليه الصلاة والسلام جمع الله له ما افترق في غيره ، فذاته الشريفة جمعت المحاسن كلها ظاهرة وباطنة ، وكتابُه جمع ما في الكتب كلها فهو شاهد عليها ، وشريعته جمعت الشرائع كلها ، ولذلك كان الولي المحمدي هو أعظم الأولياء . واعلم أن الحق جل جلاله جعل لكل عصر تربية مخصوصة بحسب ما يناسب ذلك العصر ، كما جعل لكل أمة شرعة ومنهاجًا بحسب الحكمة ، فمن سلك بالمريدين تربية واحدة ، وأراد أن يسيرهم على تربية المتقدمين ، فهو جاهل بسلوك الطريق ، فلو كان السلوك على نمط واحد ما جدد الله الرسل بتجديد الأزمنة والأعصار ، فكل نبي وولي يبعثه الله تعالى بخرق عوائد زمانه ، وهي مختلفة جدَا ، فتارة يغلب على الناس التحاسد والتباغض ، فيبعث بإصلاح ذات البين والتآلف والتودد ، وتارة يغلب حب الرياسة والجاه فيربى بالخمول وإسقاط المنزلة ، وتارة يغلب حب الدنيا وجمعها فيربى بالزهد فيها والتجريد والانقطاع إلى الله . وهكذا فليقس ما لم يقل . والله تعالى أعلم . ولما قصدت اليهود أن يفتنوا النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحكم لهم بما يشتهون ، أنزل الله تعالى : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } .