Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-126)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من قرأ { حرَجًا } بالفتح ، فهو مصدر وُصف به للمبالغة ، ومن قرأ بالكسر ، فوصف ، أي : شديد الضيق ، ومن قرأ { يَصَّعَّد } بالشد والقصر ، فأصله : يتصعد ، أدغم التاء في الصاد ، ومن قرأ : { يصّاعد } فأصله : يتصاعد ، فأدغم أيضًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { فمن يُرد الله أن يهديه } أي : يعرِّفه طريق الحق ويوفقه للإيمان { يشرح صدرَه } أي : يوسعه { للإسلام } ، فيتسع له ، ويقبله ، ويغتبط به ، ويبتهج ، فرحًا وسرورًا . والشرح : كناية عن جعل النفس قابلة للحق ، مهيأة لحلوله فيها ، مصفاة عما يمنعها منه ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم ، حين سُئل عنه ، فقال : " نُورٌ يقذفه الله في قَلبِ المؤمن ، فينشرح له وينفسح " قالوا : هل لذلك أمارة يعرف بها ؟ قال " نعم ، الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول " . ثم ذكر ضدَّه ، فقال : { ومن يُرد أن يضله يجعل صدره ضيقًا حرجًا } شديد الضيق ، بحيث ينبو عن قبول الحق ، فلا يدخله الإيمان ، ولا ينشرح صدره له ، بل يفر منه ، ويثقل عليه { كأنما يصَّعَّد في السماء } أي : يتكلف الصعود فيه . شَبَّههُ على وجه المبالغة بمن يُحاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء غاية فيما يبعد عن الاستطاعة ، تنبيهًا على أن الإيمان تَمَنَّع عليه كما يمتنع عليه الصعود إلى السماء ، { كذلك } أي : كما يضيق صدر الكافر ويبعد قلبه عن الحق ، { يجعل الله الرجس } أي : العذاب والخذلان ، { على الذين لا يؤمنون } ، ووضع الظاهر موضع المضمر للتعليل . { وهذا } البيان الذي جاء به القرآن ، أو ما سبق من التوفيق والخذلان ، { صراط ربك } أي : الطريق الذي ارتضاه ، إن قلنا : الإشارة للبيان ، أو عادته وطريقه الذي اقتضته حكمته ، إن قلنا ما سبق من التوفيق والخذلان ، حال كونه { مستقيمًا } لا عوج فيه ، أو عادلاً مطردًا لا جور فيه ، { قد فصَّلنا الآيات } أي : بينَّاها { لقوم يذكَّرون } فيعلمون أن الفاعل هو الله وحده ، وأن كل ما يحدث من خير وشر ، أو إيمان وكفر ، بقضائه وخلقه ، فإنه عالم بأفعال العباد ، حكيم عادل فيما يفعل بهم من تقريب أو إبعاد . الإشارة : فمن يُرد الله أن يهديه لسر الخصوصية ونور الولاية يشرح صدره للدخول في طريقها ، ويوفقه لبذل نفسه وروحه في تحصيلها ، ويصبَّرُه على حمل لأوائها ، وينهضه إلى السير في ميدانها ، بعد أن يسقطه على شيخ كامل عارف بطريقها ، فيحققه بخصوصيته ، ويطلعه على سر ولايته ، حتى يُلقى القياد إليه بكليته ، فلا يَزَالُ يُسَايره حتى يقول له : ها أنت وربك . ومن يريد أن يضله عنها يجعل صدره ضيقًا عن قبولها ، حرجًا عن الدخول فيها ، حتى يثقل عليه حمل أعبائها ، أو ينكر وجود أهلها ، كذلك يجعل الله رجس حجابه على الذين لا يؤمنون بطريق الخصوص ، فإنه طريق مستقيم يُوصل إلى حضرة النعيم في الدنيا والآخرة . وبالله التوفيق . ثم أعدَّ لأهل التوفيق ، فقال : { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ } .