Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 7-9)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحقّ جلّ جلاله : { ولو نزَّلنا عليك } يا محمد { كتابًا } مكتوبًا { في قرطاس } أي : رَقٍّ ، فرأوه بأعينهم ، ولمسوه بأيديهم ، حتى لا يبقى فيه تزوير ، لعاندوا ، ولقال { الذين كفروا منهم } بعد ذلك : { إن هذا إلا سحر مبين } تعنتًا وعنادًا ، وتخصيص اللمس لأن التزوير لا يقع فيه ، فلا يمكنهم أن يقولوا : { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا } [ الحجر : 15 ] ، وتقييده بالأيدي لدفع التجوز ، فإنه قد يُتَجوز فيه فيطلق على الفحص كقوله : { وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ } [ الجنّ : 8 ] . ثم اقترحوا معجزة أخرى ، { وقالوا لولا أُنزل عليه ملك } يكلمنا أنه نبي ، { أو يكون معه نذيرًا } أو شهيدًا له بالرسالة ، رُوِي أن العاص بن وائل والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود هم الذين سألوا ذلك . قال تعالى : { ولو أنزلنا ملكًا } ، كما طلبوا { لقُضي الأمر } بهلاكهم ، فإنَّ سُنة الله جرَت بذلك فيمن قبلهم مهما اقترحوا آية ، فظهرت ثم كفروا ، عجَّل الله هلاكهم ، { ثم لا يُنظرون } أي : لا يُمهلون بعد نزولها ساعة . وعلى تقدير لو أنزلنا عليهم الملك كما اقترحوا فلا يمكن أن يظهر إلا على صورة البشر ليُطيقوا رؤيته ، { ولو جعلناه ملَكًا لجعلناه رجلاً } ليتمكنوا من رؤيته ، كما مثّل جبريل في صورة دِحية ، فإن القوة البشرية لا تقوَى على رؤية الملائكة . وإنما رأوهم كذلك الأفرادُ من الأنبياء ، لامتلاء أسرارهم بالأنوار القدسية ، فإذا ظهر على صورة البشر التبس الأمر عليهم فقالوا : إنما هو بشر لا مَلك ، فهذا قوله : { وللبسنا عليهم ما يلبسون } أي : لخلَطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم وعلى ضعفائهم ، أو لفعلنا لهم في ذلك فعلاً مُلبسًا يطرق لهم إلى أن يُلبِسوا به على أنفسهم وضعفائهم فإن عادة الله في إظهار قدرته أن تكون مرتدية برداء حكمته ليبقى سر الربوبية مَصُونًا ، فمن سبقت له العناية خلق الله في قلبه التصديق بها ، حتى علمها ضرورة ، وغيره يلبس الأمر عليه فيها . وبالله التوفيق . الإشارة : كرامات الأولياء كمعجزات الأنبياء ، لا تظهر إلاَّ لأهل الصدق والتصديق ، ولا يتحقق بولايتهم إلاَّ من سبق له الوصول إلى عين التحقيق . " سبحان من لم يجعل الدليلَ على أوليائه إلا من حيثُ الدليلُ عليه ، ولم يُوصَل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه " ، فأهل الإنكار عليهم لا يرون إلا ما يقتضِي البعد عنهم . وأهل الإقرار لا يرون إلا ما يقتضي القرب منهم والمحبة فيهم . والله تعالى أعلم . ثم سلَّى رسوله عليه الصلاة والسلام فقال : { وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ } .