Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 60, Ayat: 1-3)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوَّكم أولياء } أي : أصدقاء ، نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أنه لمّا تجهز رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لغزوة الفتح ، كتب إلى أهل مكة ، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرديكم ، فخُذوا حِذركم . وفي رواية : كتب : إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يسير إليكم بجيشٍ كالليل ، يسيل كالسيل ، فالحذرَ الحذرَ ، وأرسله مع " ساره " مولاة بني المطلب ، وقيل : كلثوم بنت عقبة بن أبي مُعيط ، فنزل جبريلُ عليه السلام بالخبر ، " فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليًّا وعمّاراً ، وطلحة ، والزبير ، والمقداد ، وأبا مرثد ، وقال : " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإنّ بها ظعينة ، معها كتاب إلى أهل مكة ، فخذوه منها ، وخلُوها ، فإن أبتْ فاضربوا عنقها " فأدركوها ثمة ، فجحدت ، فسلّ عليٌّ سيفه ، فأخرجته من عِقاصِها . زاد النسفي : أنه عليه السلام أمَّن يوم الفتح جميعَ الناس إلاّ أربعة ، هي أحدهم ، فاستحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً ، وقال : " ما حملك على هذا " ؟ فقال : يا رسول الله ! ما كفرتُ منذ أسلمتُ ، ولا غششتُ منذ نصحتُ ، ولكني كنتُ امرءاً مُلْصَقًا في قريش ، ليس لي فيهم مَن يحمي أهلي ، فأردتُ أن أتخذ عندهم يداً ، وعملتُ أن كتابي لا يُغني شيئاً ، فصدّقه صلى الله عليه وسلم ، وقَبِلَ عُذره ، فقال عمر : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم : " وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر ، فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم " ففاضت عينا عمر رضي الله عنه ، أي : من بكاء الفرح . والعَدُو : فَعُول ، من : عدا ، ولكونه على زنة المصدر أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد . وفي الآية دليل على أنّ الكبيرة لا تسلب الإيمان . وقوله : { تُلْقٌونَ إِليهم بالمودةِ } : حال ، أي : لا تتخذوهم أولياء مُلقين إليهم ، أو : استئناف ، أو : صفة لأولياء ، أي : توصلون إليهم المودة ، على أن الباء زائدة ، كقوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ } [ البقرة : 195 ] ، أو : تُلقون إليهم أخبارَ النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المودة التي بينكم وبينهم ، فتكون أصلية . { وقد كفروا بما جاءكم من الحق } : حال من فاعل " تتخذوا " أو " تُلقون " ، أي : لا تتولوهم ، أو : لا تودوهم وهذه حالتهم يكفرون { بما جاءكم من الحق } الإسلام ، أو : القرآن ، جعلوا ما هو سبب الإيمان سبب الكفر . { يُخرجون الرسولَ وإِياكم } من مكة ، وهواستئناف مُبيَّن لكفرهم وعتوهم ، أو حال من " كفروا " . وصيغة المضارع لاستحضار الصورة . وقوله : { أن تؤمنوا بالله ربِّكم } تعليل للإخراج ، أي : يُخرجونكم لإيمانكم ، { إِن كنتم خرجتمْ جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي } ، هو متعلق بـ " لاتتخذوا " كأنه قيل : لا تودُّوا أعدائي إن كنتم أوليائي . { تُسِرُّون إِليهم بالمودةِ } أي : تُفضون إليهم بمودتكم سرًّا ، أو تُسِرُّون إليهم أسرارَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بسبب المودة ، وهو استئناف وارد على نهج العتاب والتوبيخ . { وأنا أعلمُ } أي : والحال أني أعلم منكم { بما أخفيتم وما أعلنتم } ومُطلِع رسولي على ما تُسِرُّون ، فإني طائل لكم في الإسرار ، وقيل : الباء زائدة ، و " أعلم " مضارع و " ما " موصولة ، أو مصدرية . { ومَن يَفْعله منكم } أي : الاتخاذ { فقد ضَلَّ سواء السبيل } فقد أخطأ طريق الحق والصواب . { إِن يَثْقفوكم } أي : يظفروا بكم { يكونوا لكم أعداءً } أي : يُظهروا ما في قلوبهم من العداوة ، ويُرتبوا عليها أحكامها ، { ويبسُطُوا إِليكم أيديَهم وألسنتهم بالسوء } بما يسوؤكم من القتل والأسر . { ووَدُّوا لو تكفرون } أي : تمنُّوا ارتدادكم . وصيغة الماضي لتحقُّق ودادهم قبل أن يثقفوكم . { لن تنفَعَكُم أرحامُكُم } قراباتكم { ولا أولادُكم } الذين تُوالون المشركين لأجلهم ، وتتقرّبون إليهم محاماةً عليهم ، { يومَ القِيامة يَفْصِلُ بينكم } وبين أقاربكم وأولادكم ، بما اعتراكم من أهوال ذلك اليوم ، حسبما نطق به قوله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ … } [ عبس : 34 - 36 ] الآيات ، ويحتمل أن يكون ظرفًا لـ " تنفعكم " ، أي : لا تنفعكم أقاربكم يوم القيامة ، ثم استأنف بقوله : { يفصل بينكم } لبيان عدم نفعهم . وهنا قراءات بيّنّاها في غير هذا . { والله بما تعملون بصير } فيجازيكم على أعمالكم . الإشارة : أعدى الأعادي إليك نفسك ، فهي عدوة لله ولرسوله ولأوليائه لأنها أمّارة بالسوء ، ويُضاف إليها جنودها ، فيقال { يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء } ، من النفس وجنودها ، تُلقون إليهم بالمودّة والموافقة ، وقد كفروا بما جاءكم من الحق من طريق المجاهدة ، يُخرجون الرسول : الوارد الحقيقي أو الإيمان العياني ، من قلوبكم ، ويُخرجونكم من الحضرة كراهةَ أن تُؤمنوا بالله ربكم إيماناً حقيقيًّا ، إن كنتم خرجتم عن هواكم جهادًا في سبيلي ، وابتغاء مرضاتي ومعرفتي ، تُسِرُّون إليه بالمودة والموافقة ، وأنا أعلم بما أخفيتم من الميل إلى حظوظها ، وما أعلنتم ، ومَن يفعله أي : الميل عن طريق المجاهدة فقد ضلّ سواء السبيل طريق الوصول ، فقد قيل : " مَن رأيته يتبع الرُخص والشهوات ، فاعلم أنه لا يأتي منه شيء " . لن تنفعكم أقاربكم ولا حظوظكم ، بدلاً من الله شيئًا " ماذا وجَدَ من فقدك " ، فالحظوظ الفانية تفنى وتبقى الحسرة والندامة . يوم القيامة يفصلُ بينكم وبينها لفنائها ، أو بينكم وبين ما تشتهون من دوام النظرة ، والله بما تعملون بصير ، فيُجازي على قدر الكدّ والتعب . ثم أمر بالاقتداء بالرسل عليهم السلام في معاداة كل ما يقطع عن الله ، فقال : { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ } .