Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 65, Ayat: 12-12)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { اللهُ الذي خلق سبعَ سموات } : مبتدأ وخبر ، وقد أجمع المفسرون أنَّ السموات سبع ، { ومن الأرض مثلَهن } ، وليس في القرآن آية تدل على أنَّ الأرضين سبع غير هذه الآية ، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام ، وغلظ كلّ سماءٍ كلذلك ، والأرضون مثل السموات ، والجمهور أنها طباق ، بعضها فوق بعض ، بين كل أرض وأرض مسافة ، كما بين السماء والأرض ، وفي كل أرض سُكَّان مِن خلق الله تعالى ، قيل : الجن ، وقيل : الملائكة ، وقال الضحاك : مطبقة بعضها فوق بعض ، من غير فتوق ، بخلاف السموات . قال القرطبي : والأول هو الأصح لأنَّ الأخبار دالة عليه ، كما ورد في الحديث : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى قرية أو مدينة : " اللهم رب السموات السبع ، وما أظللن ، ورب الأرضين السبع ، وما أقللن … " الحديث . وفي الحديث أيضاً : " مَن غصب شبراً من أرض طوّقه الله له من سَبْع أرَضِين " هـ . واختلف : هل يرون السماء ، ويستمدًّون منها الضوء ، قولان ، أحدهما : إنهم يُشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ، ويستمدُّون الضياء منها ، والثاني : أنهم لا يُشاهدون السماء ، وأنَّ الله تعالى خلق لهم ضياء يشاهدونه . وعن ابن عباس أيضاً : " إنها سبع أرضين متفرقة بالبحار وتظل الجميع السماء " . وقيل : الأرض واحدة إلاَّ أنَّ الأقاليم سبعة ، فالمثلية على هذا في عِظم الجرم ، وكثرة العمار ، وغير ذلك . والأول أرجح لِما تقدّم . وقد ذكر المنذري حديثاً بيَّن فيه ما يعمرُ أرض ، فبعضها فيها حجارة الكبريت وقوم جهنم ، وبعضها فيها خزائن الريح ، وفي أسفلها عرش إبليس ، فانظره . { يَتَنزَّلُ الأمرُ بينهن } أي : يجري أمره وقضاؤه بينهن ، وينفذ حكمُه فيهن . وعن قتادة : في كل سماءٍ وفي كل أرضٍ خلقٌ مِن خلقه ، وأمرٌ نافذ من أمره ، وقضاء من قضائه . وقيل : هو ما يدبّر فيه من عجائب تدبيره ، من إنزال المطر ، وإنبات النبات ، والإتيان بالليل والنهار ، والصيف والشتاء ، وخلق الحيوانات المختلفة . وقال الغزالي : يتنزّل الأمر بالقدر من حضرة الربوبية إلى حملة العرش ، ثم تتلقى ملائكة السموات ذلك منهم ، ثم تصريفهم بذلك إلى أهل الأرض ، وإجرائهم على مقتضاه . وقيل : يتنزّل الأمر بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى ، وهل لكل أرض رسول ، أم لا ؟ الله أعلم . { لتعلموا أنَّ اللهَ على كل شيءٍ قديرٌ } أي : فعل ذلك لتعلموا عموم قدرته ، { وأنَّ اللهَ قد أحاط بكل شيءٍ علماً } لاستحالة صدور هذه الأفاعيل المذكورة ممن ليس كذلك . ويجوز أن يكون العامل في اللام بيان ما ذكر من الخلق وتنزُّل الأمر ، أي : أوضَحَ ذلك بيّنه لتعلموا بما ذكر من الأمور التي تُشاهدونها ، والتي تتلقونها من الوحي ، وعجائب المصنوعات ، أنه لا يخرج عن قدرته وعلمه شيء أصلاً . الإشارة : سموات الأرواح سبع طبقات ، تعرج فيها إلى عرش الحضرة . سماء التوبة ، ثم سماء الصبر ، ثم سماء الورع والزهد ، ثم سماء الرضا والتسليم ، ثم سماء المحبة ، ثم سماء المراقبة ، ثم سماء المشاهدة ، ثم الاستواء على عرش الحضرة ، في حضرة الأسرار . وأرض العبودية سبع أيضاً ، وبالتنزُّل فيها تهوي النفس إلى عرش إبليس ، في حضرة الفرق ، وبالخروج عنها تعرج في سماوات الأرواح ، وهي أرض الشهوة ، ثم أرض الغفلة ، ثم أرض حب الدنيا ، ثم أرض حب العلو والجاه ، ثم أرض هَم الرزق وخوف الفقر ، ثم أرض التدبير والاختيار ، ثم أرض الغضب والحقد والحسد ، فبهذه الأخلاق المذمومة يهوي العبد إلى أسفل سافلين . فإذا ترقّى عن هذه الأرضين ، وسما في سماء الأرواح ، يتنزّل على قلبه الوحي الإلهامي ، والكشف الرباني . قال تعالى : { يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أنّ الله على كل شيءٍ قدير } ، أي : ليحصل لكم العلم الحقيقي بقدرة الله وعلمه وإحاطة ذاته . قال الورتجبي : لو كانت للأشباح قيمة في المعرفة كالأرواح لم يخاطبها بالعلل والاستدلال ، لتعلم برؤية الأشياء وجود الحق ، وكانت كالأرواح في الخطاب بلا عِلّة في تعريف نفسه إياها بقوله : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [ الأعراف : 172 ] هناك خطاب وشهود وتعريف بلا عِلّة ، فلما عَلِمَ عجزها عن حمل واردات الخطاب الصِّرف أحالها إلى الشواهد ، وليس بعارفٍ في الحقيقة مَن عرفه بشيءٍ من الأشياء ، وسببٍ من الأسباب ، فمَن نظر إلى خلق الكون يعرف أنه ذو قدرة واسعة وإحاطة شاملة ، يخاف من قهره ، ويذوب قلبه بعلمه في رؤية اطلاع الحق تعالى عليه . هـ . وبالله التوفيق . وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم .