Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 163-166)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قلت : { إذ يَعْدُون } : بدل من { القرية } ، بدل اشتمال ، أو منصوب بكانت ، أو بحاضرة و { إذ تأتيهم } : منصوب بيعدون ، و { سبتهم } : مصدر مضاف للفاعل ، يقال : سبت اليهود سبتًا : إذا عظم يوم السبت وقطع شغله فيه ، و { شُرَّعًا } : حال ، ومعناه : ظاهرة قريبة منهم ، يقال : شرع منه فلان إذا دنا منه . يقول الحقّ جلّ جلاله : { واسألهم عن القرية } أي : اليهود ، سؤال تقرير وتوبيخ على تقديم عصيانهم وعما هو من معلومهم ، الذي لا يعلم إلا بتعليم أو وحي ، وقد تحققوا أنك أُمي ، فيكون ذلك معجزة وحجة عليهم ، { عن القرية } أي : عن خبرها وما وقع لها ، { التي كانت حاضرةَ البحر } قريبة منه ، وهي " إيلة " ، قرية بين مدين والطور ، على شاطىء البحر ، وقيل : مدين ، وقيل : طبرية ، { إذ يَعدُون في السّبِت } : يتجاوزون حدود الله بالاصطياد في يوم السبت ، وكان حرامًا عليهم لاشتغالهم عنه بالعبادة ، { إذ تأتيهم حيتانُهم يوم سبتهم شُرّعًا } : ظاهرة على وجه الماء ، دانية منهم ، { ويوم لا يَسبِتُون لا تأتيهم } بل تغوص كلها في البحر ، { كذلك } أي : مثل هذا البلاء الشديد { نَبلوهم بما كانوا يفسقون } أي : بسبب فسقهم . وقيل " كذلك " : متصل بما قبله ، أي : لا تأتيهم مثل ذلك الإتيان الذي تأتيه يوم السبت . ثم افترقت بنو إسرائيل ثلاث فرق : فرقة عصت بالصيد يوم السبت ، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلت القوم ، وفرقة سكتت واعتزلت فلم تنه ولم تعص . { وإذ قالت أُمةٌ منهم } ، وهي التي لم تنه ولم تعص . لَمَّا رأت مهاجرة الناهية وطغيان العاصية : { لِمَ تَعِظُون قومًا اللهُ مهلكهم } بالموت بصاعقة ، { أو معذبهم عذابًا شديدًا } في الآخرة ؟ { قالوا } : نهينا لهم { معذرة إلى ربكم } أي : عذرًا إلى الله تعالى ، حتى لا ننسب إلى تفريط في النهي عن المنكر ، { ولعلهم يتقون } فينزجرون عن العصيان ، إذ اليأس منهم لا يحصل إلا بالهلاك . { فلما نَسُوا ما ذُكِّروا به } أي : تركوا ما وُعظوا به ترك الناسي ، { أنجينا الذين ينهون عن السوءِ وأخذنا الذين ظلموا } بالاعتياد ومخالفة أمر الله ، { بعذابٍ بئيس } : شديد ، من بؤس يبؤس بؤسًا ، وقرىء بيْئَسٍ على وزن ضيغم ، و " بِئْس " بالكسر والسكون ، كحذر ، وبيس بتخفيف الهمزة ، ومعناها واحد ، أي : بما عاقبناهم بالمسخ ، { بما كانوا يفسقون } أي : بسبب فسقُهم . قال ابن عباس : لا أدري ما فعل بالفرقة الساكتة ؟ وقال عكرمة : لم تهلك لأنها كرهت ما فعلوه . ورجع إليه ابن عباس وأعجبه ، لأن كراهيتها تغيير المنكر في الجملة ، مع قيام الفرقة الناهية به لأنه فرض كفاية . قال تعالى : { فلما عتوا عما نُهوا عنه } تكبرًا عن ترك ما نُهوا عنه ، { قلنا لهم كونوا قردة خاسئين } أذلاء صاغرين . قال البيضاوي : { قلنا لهم كونوا } ، وهو كقوله : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ النحل : 40 ] ، والظاهر يقتضي أن الله تعالى عذَّبهم أولاً بعذاب شديد فعتوا بعد ذلك ، فمسخهم قردة وخنازير ، ويجوز أن تكون الآية الثانية تقريرًا وتفصيلاً للأولى . رُوِي أن الناهين لما أيسوا عن اتعاظ المعتدين ، كرهوا مساكنتهم ، فقسموا القرية بجدار فيه باب مطروق ، فأصبحوا يومًا ولم يخرج إليهم أحد من المعتدين ، فقالوا : إن لهم شأنًا ، فدخلوا عليهم فإذا هم قردة ، فلم يعرفوا أنسباءهم ، ولكن القردة تعرفهم ، فجعلت تأتي أنسباءهم وتشم ثيابهم ، وتدور باكية حولهم ، ثم ماتوا بعد ثلاثة أيام . هـ . الإشارة : المسخ على ثلاثة أقسام : مسخ الأشباح ، ومسخ القلوب ، ومسخ الأرواح ، فمسخ الأشباح هو الذي وقع لبني إسرائيل ، قيل : إنه مرفوع عن هذه الآمة ، والصحيح : أنه يقع في آخر الزمان ، ومسخ القلوب يكون بالانهماك في الذنوب ، والإصرارعلى المعاصي ، وعلامته : الفرح بتيسير العصيان ، وعدم التأسف على ما فاته من الطاعة والإحسان ، ومسخ الأرواح : الانهماك في الشهوات ، والوقوف مع ظواهر الحسيات ، أو تكثيف الحجاب ، والوقوف مع العوائد والأسباب ، دون مشاهدة رب الأرباب . والله تعالى أعلم . ثم ذكر عقوبة بني إسرائيل في الدنيا ، فقال : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ } .