Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 168-170)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { أُمَمًا } : مفعول ثانٍ لقطَّعنا ، أو حال ، وجملة { منهم الصالحون } : صفة ، وجملة { يأخذون } : حال من فاعل ورثوا ، و { يقولون } عطف على { يأخذون } ، أو حال ، والفعل من { سيغفر } : مسند إلى الجار والمجرور ، أو إلى مصدر { يأخذون } ، و { أن لا يقولوا } : عطف بيان من { ميثاق الكتاب } ، أو تفسير له ، أو متعلق به ، أي : لأن لا يقولوا ، و { درسوا } : عطف على { ألم يُؤخذ } من حيث المعنى ، أي : ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب ولم يدرسوا ما فيه ، أو حال ، أي : وقد درسوا ، و { الذين يُمَسِّكُون } : مبتدأ ، وجملة : { إنا لا نضيع أجر المصلحين } : خبر ، والرابط : ما في المصلحين من العموم ، فوضع موضع الضمير تنبيهًا على أن الإصلاح كالمانع من التضييع ، أو حذف العائد ، أي : منهم ، ويحتمل أن يكون عطفًا على { الذين يتقون } أي : خير للمتقين والذين يتمسكون بالكتاب . يقول الحقّ جلّ جلاله : { وقطَّعناهم } أي : فرقناهم { في الأرض أُممًا } : فرقًا ، ففي كل بلد من البلدان فرقة منهم ، فليس لهم إقليم يملكونه ، تتمةً لإذلالهم ، حتى لا تكون لهم شوكة قط ، { منهم الصالحون } وهو من تمسك بدين التوراة ، ولم يحرف ، ولم يفرق ، أو من آمن منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم في زمانه وبعده ، { ومنهم دون ذلك } أي : ومنهم ناس دون ذلك ، أي : منحطون عن الصلاح ، وهم كفرتهم وفسقتهم ، { وبلوناهم } أي : اختبرناهم { بالحسنات والسيئات } أي : بالنعم والنقم ، { لعلهم يرجعون } ينتبهون فينزجرون عمًّا هُم عليه . { فخلَفَ من بعدهم خلفٌ } أي : فخلف ، من بعد الأولين ، خلف ، أي : بدل سوء ، وهو مصدر نعت به ، فالخلف ، بالسكون ، شائع في الشر ، يقال : جعل الله منك خلفًا صالحًا . والمراد بالخلف في الآية : اليهود الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ، { وَرِثوا الكتابَ } التوراة ، من أسلافهم ، يقرؤونها ويقفون على ما فيها ، { يأخذون عَرَضَ هذا الأدنى } حطام هذا الشيء الحقير ، من الدنو ، أو من الدناءة ، وهو ما كانوا يأخذون من الرشا في الأحكام ، وعلى تحريف الكلام ، { ويقولون سيُغفرُ لنا } لا يؤاخذنا الله بذلك ويتجاوز عنه ، اغترارًا وحمقًا . { وإن يأتهم عَرَضٌ مثلُه يأخذوه } أي : يرجون المغفرة ، والحال أنهم مصرون على الذنب ، عائدون إلى مثله ، غير تائبين منه ، { ألم يُؤخذْ عليهم ميثاقُ الكتاب } أي : في الكتاب ، وهو التوراة ، { أن لا يقولوا على الله إِلا الحق } ، وهو تكذيب لهم في قولهم : { سيُغفر لنا } ، والمراد : توبيخهم على القطع بالمغفرة مع عدم التوبة ، والدلالة على أنه افتراء على الله وخروج عن ميثاق الكتاب ، { ودَرَسُوا ما فيه } أي : وقد درسوا ما فيه ، وعلموا ما أُخذ عليهم فيه من المواثيق ، ثم تجرأوا على الله ، { والدارُ الآخرة خير للذين يتقون } مما يأخذ هؤلاء من العرض الفاني . { أفلا يعقلون } فيعلموا ذلك ، ولا يستبدلوا الأدنى الحقير المؤدي إلى العقاب بالنعيم الكبير المخلد في دار الثواب ، ومن قرأ بالخطاب فهو لهم ، من باب التلوين في الكلام . { والذين يُمَسِّكُون بالكتاب } أي : يتمسكون بالتوراة ، { وأقاموا الصلاة } المفروضة عليهم ، { إنا لا نضيع أجر المصلحين } منهم . وهذا فيمن مات قبل ظهور الإسلام ، أو : والذين يمسكون بالقرآن ، { وأقاموا الصلاة } مع المسلمين ، { إن لا نضيع أجر المصلحين } . الإشارة : تفريق النسب في البلدان ، إن كان في الذل والهوان ، فهو من شؤم المخالفة والعصيان ، وإن كان مع العز وحفظ الحرمة ، فقد يكون لقصد الخير والبركة ، أراد الله أن يُنمي تلك البلاد ، بنقل ذلك إليها ، كأولاد الصالحين والعلماء وأهل البيت . ويؤخذ من قبوله : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون } ، أن العبد مأمور بالرجوع إلى الله في السراء والضراء ، في السراء بالحمد والشكر ، وفي الضراء بالتسليم والصبر . ويؤخذ من مفهوم قوله : { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } ، أن من عقد التوبة وحل عقدة الإصرار غفر له ما مضى من الأوزار . وفي قوله : { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب … } الآية ، تحذير لعلماء السوء . وقوله : { والذين يُمسكون بالكتاب … } الآية ، أي : والذين يمسكون بظاهر الكتاب وأقاموا صلاة الجوارح ، { إنا لا نضيع أجر المصلحين } مع عامة أهل اليمين ، والذين يمسكون بباطن الكتاب وأقاموا صلاة القلوب التي هي العكوف في الحضرة حضرة الغيوب إنا لا نضيع أجر المصلحين لقلوبهم ، وهو شهود رب العالمين مع المقربين ، في حضرة الأنبياء والمرسلين ، جعلنا الله منهم وفي حزبهم ، آمين . ولمَّا ذكر من تمسك بالكتاب طوعاً ، ذكر من تمسك به كرهاً من أسلاف اليهود ، فقال : { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } .