Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 182-183)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : أصل الاستدراج : الاستصعاد ، أو الاستنزال درجة بعد درجة ، ومعناه : نسوقهم إلى الهلاك شيئًا فشيئًا . يقول الحقّ جلّ جلاله : { والذين كذَّبوا بآياتنا } ، وألحدوا في أسمائنا ، { سَنَسْتَدْرِجُهُم } أي : ندرجهم إلى الهلاك شيئًا فشيئًا ، { من حيث لا يعلمون } ما نريد بهم ، وذلك أَن تتواتر النعم عليهم ، فيظنوا أنها لطفٌ من الله بهم ، فيزدادوا بطرًا وانهماكًا في الغي ، حتى تحق عليه كلمة العذاب . { وأُملي لهم } أي : وأمهلهم ، أي : وأمدهم بالأموال والبنين والعُدة والعَدد ، حتى نأخذهم بغتة ، { إنَّ كيدي متين } أي : أخذي شديد ، وإنما سماه كيدًا لأن ظاهره إحسان وباطنه خذلان . الإشارة : قال الشيخ زروق رضي الله عنه : الاستدراج : هو كُمون المحنة في عين المنة ، وهو من درج الصبي إذا أخذ في المشي شيئًا بعد شيء ، ومنه : الدرج الذي يرتقي عليه إلى العلو ، كذلك المستدرج هو الذي تُؤخذ منه النعمة شيئًا بعد شيء وهو لا يشعر . قال تعالى : { سَنَسْتدرِجُهُم من حيث لا يعلمون } . هـ . فالاستدراج ليس خاصًا بالكفار ، بل يكون في المؤمنين خواصهم وعوامهم . قال في الحكم : " خف من وجود إحسانه إليك ، ودوام إساءتك معه ، أن يكون ذلك استدراجًا لك { سَنَسْتَدرِجُهُم من حيث لا يعلمون } " . وقال سهل بن عبدالله رضي الله عنه : نمدهم بالنعم ، وننسيهم الشكر عليها ، فإذا ركنوا إلى النعمة وحجبوا عن المنعم : أُخذوا . وقال ابن عطاء رضي الله عنه : كلما أحدثوا خطيئة جددنا لهم نعمة ، وأنسيناهم الاستغفار من تلك الخطيئة . وقال الشيخ ابن عباد رضي الله عنه : الخوف من الاستدراج بالنعم من صفة المؤمنين ، وعدم الخوف منه مع الدوام على الإساءة من صفة الكافرين . يقال : من أمارات الاستدراج : ركوب السيئة والاغترار بزمن المُهلة ، وحمل تأخير العقوبة على استحقاق الوصلة ، وهذا من المكر الخفي . قال تعالى : { سَنَسْتدرِجُهُم من حيث لا يعلمون } أي : لا يشعرون بذلك ، وهو أن يلقي في أوهامهم أنهم على شيء ، وليسوا كذلك ، يستدرجهم في ذلك شيئًا فشيئًا ، حتى يأخذهم بغتة ، كما قال تعالى : { فلما نسوا ما ذُكروا به } إشارة إلى مخالفتهم وعصيانهم ، بعدما رأوا من الشدة ، { فتحنا عليهم أبواب كل شيء } أي : فتحنا عليهم أسباب العوافي وأبواب الرفاهية ، { حتى إذا فرحوا بما أُوتوا } من الحظوظ الدنيوية ، ولم يشكروا عليها برجوعهم منها إلينا ، { أخذناهم بغتة } أي : فجأة ، { فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ } [ الأنعَام : 44 ] آيسون قانطون من الرحمة . هـ . ثم ندبهم إلى التفكّر ، فقال : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ } .