Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 205-206)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن تبعه : { واذكر ربك في نفسك } أي : في قلبك بحركة لسان القلب ، أو في نفسك سرًا بحركة لسان الحس ، { تضرُّعًا وخِيفَةً } أي : متضرعًا وخائفًا ، { ودونَ الجهر من القول } أي : متكلمًا كلامًا فوق السر ودون الجهر ، فإنه أدخل في الخشوع والإخلاص ، ولا حجة فيه لمن منع الذكر جهرًا لأن الآية مكية حين كان الكفر غالبًا ، فكانوا يسبون الذاكر والمذكور ، ولما هاجر المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ، جهر الصحابةُ بالتكبير والذكر . فالآية منسوخة . انظر : الحاوي في الفتاوى للإمام السيوطي . فقد أجاب عن الآية بأجوبة . فقوله : { بالغُدوِّ والآصال } أي : في الصباح والعشي ، حين تتيقظ من نومك الشبيه بالبعث ، وحين تريد النوم الشبيه بالموت ، وقيل : المراد صلاةَ العصر والصبح ، وقيل : صلاةَ المسلمين ، قبل فرض الخمس ، وقيل : للاستغراق ، وإنما خص الوقتين لأنهما محل الاشتغال ، فأولى غيرهما . { ولا تكن من الغافلين } عن ذكر الله . { إن الذين عند ربك } يعني ملائكة الملأ الأعلى ، { لا يستكبرون عن عبادته ويُسبحونه } يُنزهونه عما لا يليق به ، { وله يسجدون } أي : يخصونه بالعبادة والتذلل ، لا يشركون به غيره ، وهو تعريض بالكفار ، وتحريض للمؤمنين على التشبه بالملأ الأعلى ، ولذلك شرع السجود عند قراءتها . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قَرَأَ ابنُ آدمَ السجدةَ ، فَسَجَدَ ، اعتَزَلَ الشيْطَانُ يَبْكِي ، يَقُولُ : يَا وَيْلهُ ، أمِرَ هذا بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنّةُ ، وأُمِرْتُ بالسُجُودِ فعصَيت فَلِي النارُ " . الإشارة : اعلم أن الذكر على خمسة أقسام : ذكر اللسان فقط لعوام المسلمين ، وذكر اللسان مع القلب ، لخواص الصالحين وأول المتوجهين ، وذكر القلب فقط للأقوياء من السائرين ، وذكر الروح لخواص أهل الفناء من المُوحدين ، وذكر السر لأهل الشهود والعيان من المتمكنين ، وفي قطع هذه المقامات يقع السير للسائرين ، فيترقى من مقام ، إلى مقام ، حتى يبلغ إلى ذكر السر ، فيكون ذكر اللسان في حقه غفلة . وفي هذا المقام قال الواسطي رضي الله عنه : الذاكرون في حال ذكره أشد غفلة من التاركين لذكره لأن ذكره سواه . وفيه أيضًا قال الغزالي : ذكر اللسان يُوجب كثرة الذنوب . وقال الشاعر : @ مَا إِنْ ذَكَرْتُكَ إلاَّ هَمَّ يَلْعَنُني سرِّي ، وقَلْبِي ، وَرُوحِي ، عِنْدَ ذِكْرَاكَ حَتَّى كَأنَّ رَقِيبًا مِنْكَ يهْتِفُ بِي : إِيَّاكِ ، وَيْحَكَ ، والتَّذكَارَ إيَاكِ أَمَا تَرَى الحَقِّ قَدْ لآحَتْ شَوَاهِدِهُ وَوَاصِل الكُلِّ مِنْ مَعْنِاهُ مَعْنَاكَ @@ وقوله تعالى : { إِن الذين عند ربك } … الآية ، قال القشيري : أثبت لهم عندية الكرامة ، وحفظ عليهم أحكام العبودية كي لا ينفك حال جمعهم عن نعت فرقهم وهذه سُنَّة الله تعالى مع خواص عباده ، يلقاهم بخصائص عين الجمع ، ويحفظ عليهم حقائق عين الفَرْق ، لئلا يُخِلّوا بآداب العبودية في أوان وجود الحقيقة . هـ .