Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 32-34)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : من قرأ : { خالصة } بالرفع ، فخبر بعد خبر ، أو خبر عن مضمر ، ومن قرأ بالنصب ، فحال . يقول الحقّ جلّ جلاله : { قل } لهم : { مَن حرَّم زينةَ اللهِ } وهي ما يتجمل به من الثياب وغيرها ، { التي أخرج لعباده } من النبات كالقطن والكتان ، أو الحيوان كالحرير والصوف والوبر ، والمعادن كالدروع والحلي ، { و } قل أيضًا : من حرم { الطيبات مِنَ الرزقِ } أي : المستلذات من المآكل والمشارب ، ويدخل فيها المناكح إذ هي من أعظم الطيبات . وفيه دليل على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات : الإباحة لان الاستفهام للإنكار ، وبه رد مالك رحمه الله على من أنكر عليه من الصوفية ، وقال له : اتق الله يا مالك بلغني أنك تلبس الرقيق ، وتأكل الرقاق ، فكتب إليه بالآية . قال تعالى : { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } ، ويشاركهم فيها الكفار ، ويوم القيامة تكون { خالصة } لهم دون غيرهم ، { كذلك نُفصّل الآياتِ } أي : كتفصيلنا هذا الحكم نُفصل سائر الأحكام { لقوم يعلمون } فينزلونها في محلها بخلاف الجهال . { قل إنما حرَّم ربي الفواحشَ } وهي ما تزايد قبحها من المعاصي ، وقيل : ما يتعلق بالفروج ، { ما ظهرَ منها وما بَطَنَ } أي : جهرها وسرها ، أو ما يتعلق بالجوارح الظاهرة والعوالم الباطنية وهي القلوب ، { والإثم } كقطع الرحم ، أو عام في كل ذنب ، { والبغيَ } وهو الظلم كقطع الطريق والغصب ، وغير ذلك من ظلم العباد ، أو التكبر على عباد الله وقوله : { بغير الحق } : تأكيد له في المعنى . { وأن تُشركوا الله ما لم يُنزل به سُلطانًا } أي : حجة على استحقاق العبادة ، وهو تهكم بالمشركين ، وتنبيهٌ على تحريم ما لم يدل عليه برهان . { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من الإلحاد في صفاته ، والافتراء عليه كقولهم : { وَاللهُ أَمَرَنَا } [ الأعراف : 28 ] ، و { لَوْ شَآءَ اللهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [ الأنعَام : 148 ] . { ولكل أمة أجل } أي : مدة ووقت لنزول العذاب بها إن لم يؤمنوا ، وهو تهديد لأهل مكة ، { فإذا جاء أجَلُهم } أي : انقرضت مدتهم ، أو دنى وقت هلاكهم ، { لا يستأخرون ساعةَ } عنه { ولا يستقدمون } أي : لا يتأخرون ولا يتقدمون عنه أقصَر وقت ، أو لا يطيقون التقدم والتأخر لشدة الهول ، وجعل بعضهم : { ولا يستقدمون } استئنافًا لأن الأجل إذا جاء لا يتصور التقدم ، وحينئذٍ يوقف على : { ساعة } ، ثم يقول : ولا هم يستقدمون عنه قبل وصوله . الإشارة : قال شيخنا البوزيدي رضي الله عنه : زينة الله التي أظهر لعباده هي لباس المعرفة ، وهو نور التجلي ، والطيبات من الرزق هي حلاوة الشهود . هـ . وهي لمن كمل إيمانه وصِدقه في الحياة الدنيا ، وتصفو له إلى يوم القيامة ، فهي حلال على أهل التجريد يتمتعون بها في الدارين ، وإنما حرّم عليهم ما يشغلهم عن ربهم من جهة الظاهر ، وما يقطعهم عن شهوده من جهة الباطن ، وسوء الأدب مع الله ، والتعرض لعباد الله ، والشرك بالله بأن يشهدوا معه سواه ، وأن يقولوا على الله ما يوهم نقصًا أو خللاً في أنوار جماله وسناه . والله تعالى أعلم . ثم إن العباد والزهاد وأهل البداية من المريدين السائرين ينبغي لهم أن يزهدوا في زينة الدنيا وطيباتها لئلا تركن إليها نفوسهم ، فيثبط سيرهم ، وأما الواصلون فهم مع الله ، لا مع شيء سواه ، يأخذون من الله بالله ، ويدفعون بالله ، وقد اتسعت دائرة علمهم ، فليسوا مع لباس ولا أكل ولا شرب ولا جوع ولا شبع ، هم مع ما يبرز في الوقت من المقدورات . والله تعالى أعلم . ثم وصّاهم على الإيمان بالرسل ، عند ظهورهم ، فقال : { يَابَنِيۤ ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ } .