Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 73-79)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قلت : { آية } : حال ، والعامل فيها : الإشارة ، و { بيوتًا } : حال من الجبال . يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } أرسلنا { إلى ثمود } قبيلة أخرى من العرب ، سُموا باسم أبيهم الأكبر : ثمود بن غابر بن إرم بن سام ، وقيل : سُموا به لقلة ما بهم من التثميد ، وهو الماء القليل ، وكانت مساكنهم الحجرَ ، بين الحجاز والشام إلى وادي القرى ، وقد دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم : " لاَ تدخُلُوا عَلَى هَؤُلاَءِ المُعَذَّبِينَ إلاَّ أن تَكُونُوا بَاكِينَ مخافة أن يُصيبَكم مِثلُ مَا أصَابَهُم " . أرسلنا إليهم { أخاهم صالحًا } ، وهو صالح بن عُبَيد بن أسف بن ماسَح بن عبيد بن حاذر بن ثمود . وقال وهب بن منبه : بعث الله صالحًا حين راهق الحلم . وقال الكواشي : أنه مات ابن ثمان وخمسين سنة ، وأقام في قومه ينذرهم عشرين . هـ . { قال يا قوم اعبدوا ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم } معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي ، وهي : { هذه ناقة الله لكم آية } لأنها جاءت من عند الله بلا وسائط وأسباب ، على ما سيأتي ، { فذروها } أي : اتركوها ، { تأكل في أرض الله } العشب ، { ولا تمسوها بسوء } ، نهى عن المس ، الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى مبالغةً في الأمر وإزاحة للعذر . قاله البيضاوي . { فيأخذكم } إن مستموها بسوء { عذاب أليم } ، وهو الهلاك بالصيحة . { واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوّأكم } أي : هيأ لكم القرار { في الأرض } أي : أرض الحجاز ، { تتخذون من سهولها قصورًا } أي : تبنون مما انبسط منها قصورًا ، فالسهل ضد الجبل ، { وتنحتون الجبال بيوتًا } أي : تنجُرون بيوتًا من الجبال ، وكانوا يسكنون القصور في الصيف والجبال في الشتاء . { فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين } بالمعاصي والكفر . { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } عن الإيمان ، { للذين استضعفوا } أي : للذين استضعفوهم واستذلوهم أعني لمن آمن منهم ـ : { أتعلمون أن صالحًا مرسل من ربه } ؟ ، قالوه على وجه الاستهزاء ، { قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون } ، لم يقولوا في الجواب : نعم تنبيهًا على أن إرساله أظهر من أن يشك فيه عاقل أو يخفى على ذي رأي ، وإنما الكلام فيمن آمن ومن كفر فلذلك قال : { قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون } على المقابلة ، ووضعوا { آمنتم به } موضع { أُرسل به } ردًا لما جعلوه معلومًا مسلمًا . { فعقروا الناقة } نحروها ، أسند إلى جميعهم فعل بعضهم كما يأتي لأنه كان برضاهم ، { وعتوا عن أمر ربهم } أي : استكبروا عن امتثال أمره ، وهو ما بلغهم صالح بقوله : { فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء } ، { وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة } أي : صيحة جبريل ، { فأصبحوا في دارهم جاثمين } باركين على ركبهم ، ميتين . رُوِي : أنهم بعد عادٍ عمروا بلادهم وخلفوهم ، وكثروا ، وعُمروا أعمارًا طِوالاً لا تفي بها الأبنية ، فنحتوا البيوت من الجبال ، وكانوا في خِصب وسعة ، فتعوا وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأصنام ، فبعث الله إليهم صالحًا من أشرافهم فأنذرهم ، فسألوه آية ، فقال لهم : أيّ آية تريدون ؟ فقالوا : اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا ، فمن استجيب له اتبع ، فخرج معهم ، فدعوا أصنامهم فلم تجبهم ، ثم أشار سيدهم " جندع بن عمرو " إلى صخرة منفردة يقال لها : " الكاثبة " ، قال له : أخرج من هذه الصخرة ناقةً مخترجة جوفاء وبراء ، فإن فعلت صدقناك ، فأخذ عليهم صالح مواثيقهم : لئن فعلتُ ذلك لتؤمنن ؟ قالوا : نعم ، فصلى ، ودعا ربه ، فتمخضت الصخرة تَمَخَّضَ النتوج بولدها ، فانصدعت عن ناقة عُشَرَاءَ ، جوفاء وبراء كما وَصَفُوا ، وهم ينظرون ، ثم أنتجت ولدًا مثلها في العظم ، فآمن به جندع في جماعة ، ومنع الناس من الإيمان : ذُؤاب بن عمرو ، والحباب صاحب أصنامهم ، ورباب كاهنهم . فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر ، وترد الماء غِبًّا ، فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها ، ثم تنفحج ، فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم ، فيشربون ويدخرون ، وكانت تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه ، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره فشق ذلك عليهم ، فزينت عقرها لهم " عنيزة أم غنم " وصدقة بنت المختار ، فعقروها واقتسموا لحمها ، وعاقرها : الأحمر ، واسمه قدار " استعان برجل آخر ، فلما شربت أختبأ لها في جانب تل ، فضربها صاحبه بالسهم ، وعقرها قدار بسيفه ، واقتسموا لحمها ، فرقى ولدها جبلاً اسمه : قارة ، فرغى ثلاثًا ، ودخل صخرة أمه ، فقال لهم صالح عليه السلام : أدركوا الفصيل ، عسى أن يرفع عنكم العذاب ، فلم يقدروا عليه حيث دخل الصخرة بعد رغائه ، فقال لهم صالح عليه السلام : تصبح وجوهكم غدًا مصفرة ، وبعد غد محمرة ، واليوم الثالث مسودة ، ويصبحكم العذاب ، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه ، فأنجاه الله إلى أرض فلسطين . ولما كان ضحوة اليوم الرابع : تحنطوا وتكفنوا بالأنطاع ، فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا . { فتولّى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحتُ لكم ولكن لا تُحبون الناصحين } ، ظاهره : أن توليته عنهم بعد أن أبصرهم جاثمين ولعله خاطبهم به بعد هلاكهم ، كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر ، وقال لهم : " قد وَجَدنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًا ، فَهَل وَجَدتُم مَا وَعَدَ رَبُّكُم حَقًا ؟ " أو ذَكَرَ ذلك على سبيل التحسّر عليهم . قاله البيضاوي . الإشارة : كل ما قصّ علينا الحقّ جلّ جلاله من قصص الأمم الماضية ، فالمراد به : تخويف هذه الأمة المحمدية وزيادة في يقينهم ، فالواجب على من أراد السلامة في الدارين أن يتمسك بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان ، ويتحرى في ذلك جهده يقصد بذلك رضا الله ورسوله . { وَمَن يَعْتَصِم بِاللهِ فَقَدْ هُدِىَ إلىَ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [ آل عمران : 101 ] ، ومن سلك الطريق المستقيم وصل إلى النعيم المقيم . والله تعالى أعلم . ثم ذكر قصة لوط عليه السلام ، فقال : { وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } .