Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 85-93)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحقّ جلّ جلاله : { و } أرسلنا { إلى مدين أخاهم شعيبًا } ، ومدين : قبيلة من أولاد مدين بن إبراهيم ، شعيب بن ميكائيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم الخليل ، على ما قيل . وقد تقدم في البقرة أن مدين ومدان من ولد إبراهيم عليه السلام ، وشعيب هذا يسمى خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه . { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهِ غيره قد جاءتكم بينةٌ من ربكم } يريد المعجزة التي كانت له ، وليس في القرآن بيان ما هي معجزته . وحمل الواحدي البينة على الموعظة . وقال في الكشاف : ومن معجزات شعيب : ما رُوِي من محاربة عصا موسى التنين ، حين دفع إليه غنمه ، وولادة الغنم الدرع خاصة ، حين وعده أن يكون له الدرع من أولادها ، ووقوع عصا آدم في يده في المرات السبع ، وغير ذلك من الآيات . هـ . وفيه نظر لأن هذه وقعت بعد مقالته لقومه ، وإنما كانت إرهاصات لموسى عليه السلام ، وفي حديث البخاري : " مَا بَعَثَ الله نَبِيًّا إلاَّ وآتاهُ مَا مِثلُه آمَنِ عليه البشرُ ، وإنما كَان الذي أُوتِيتُه وحيًا ، وأرجوُ أن أكون أكَثَرهُم تابعًا يومَ القيامَةِ " وهو صريح في أنه لا بد من الآية لكل رسول ، ولعل الله تعالى لم يذكر معجزة شعيب وهود في القرآن مع وجودها لظاهر الحديث . ثم قال لهم : { فأوفوا الكيلَ والميزانَ } ، وكانوا مطففين ، أي : فأوفوا المكيال الذي هو آلة الكيل ، أي : كبروها بدليل قوله : { والميزان } الذي هو الآلة ، ويحتمل أن يريد بهما المصدر ، أي الكيل والوزن . { ولا تَبخسوا الناس أشياءهم } أي : لا تنقصوهم حقوقهم ، وإنما قال : { أشياءَهم } ، للتعميم تنبيهًا على أنهم كانوا يبخسون الجليل والحقير ، والقليل والكثير ، وقيل : كانوا مكَّاسين لا يدعون شيئًا إلا مكسوه . { ولا تُفسدوا في الأرض } بالكفر والظلم ، { بعد إصلاحها } بإقامة الشرائع وظهور العدل ، { ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم مؤمنين } أي : ذلك الذي أمرتكم به ونهيتكم عنه هو خير لكم من إبقائكم على ما أنتم عليه ، ومعنى الخيرية : الزيادة مطلقًا إذ لا خير فيما هم فيه ، أو : في الإنسانية وحسن الأحدوثة وجمع المال . قاله البيضاوي . { ولا تقعُدُوا بكل صِراطٍ } أي : طريق { تُوعِدُون } من أراد الإيمان بالعقوبة ، وكانوا يجلسون على الطرقات والمراصد ، يقولون لمن يريد شعيبًا : إنه كذاب فلا يفتنك عن دينك ويوعدون من آمن ، وقيل : كانوا يقطعون الطريق . { وتَصُدُّون عن سبيل الله } أي : تصدون الناس عن طريق الله ، وهو الإيمان به وبرسوله ، وهو الذي قعدوا لأجله في كل طريق ، وقوله : { من آمن به } من أراد الإيمان به ، أو من آمن حقيقة كانوا يصدونه عن العمل ، { وتبغونها عِوَجًا } أي : وتطلبون لطريق الله عوجًا بإلقاء الشُّبَه فيها ، أو بوصفها للناس بأنها مُعوَجَّة . { واذكروا إذ كنتم قليلاً } عَددكم وعُدَدِكم { فكثَّرَكُم } بالبركة في النسل والمال ، { وانظروا كيف كان عاقبةِ المفسدين } من الأمم قبلكم ، فاعتبروا بهم . { وإن كانت طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلتُ به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا } أي : تربصوا { حتى يحكم اللهُ بيننا } أي : بين الفريقين بنصر المحقين على المبطلين ، فهو وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين ، { وهو خير الحاكمين } إذ لا معقب لحكمه ، ولا حيف فيه . { قال الملأ الذين استكبروا من قومه } في جوابه عن وعظه : { لنُخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتُعودنَّ في ملتنا } أي : ليكونن أحد الأمرين إما إخراجكم من القرية أو عودكم في الكفر ، وشعيب عليه السلام لم يكن في ملتهم قط لأن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الكفر مطلقًا ، لكنهم غلّبوا الجماعة على الواحد فخُوطب هو وقومه بخطابهم ، وعلى ذلك أجرى الجواب في قوله : { قال أوَ لو كنا كارهين } . قاله البيضاوي . وقال ابن عطية : وعاد : قد يكون بمعنى صار ، فلا يقتضي تقدم ذلك المحال ، قلت : ويؤيده ما في حديث الجَهنميين : " قد عادوا حممًا " أي : صاروا . ثم قال شعيب عليه السلام : { قد افترينا على الله كذبًا إن عُدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها } أي : إن رجعنا إلى ملتكم بعد الخلاص منها ، فقد اختلقنا على الله الكذب ، وهذا كله في حق قومه كما تقدم . { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربُّنا } خذلاننا وارتدادنا ، وفيه تسليم للإدارة المغيبة ، والعلم المحيط ، فإن القلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء . فإن قلت : هو معصوم فلا يصح فيه العود ؟ قاله أدبًا مع الربوبية ، واستسلامًا لقهر الألوهية ، كقول نبينا صلى الله عليه وسلم " يا مُقَلِّبَ القُلوبِ ثَبِّت قَلبي عَلَى دِينِكَ " { وَسِع ربُّنا كلَّ شيءٍ علمًا } أي : أحاط علمه بكل شيء مما كان وما يكون منا ومنكم ، { على الله توكلنا } في أن يثبتنا على الإيمان ، ويخلصنا من الإشراك . { ربنا افتح بيننا } أي : احكم بيننا { وبين قومنا بالحق } بالعدل ، بتمييز المحق من المبطل ، { وأنت خير الفاتحين } أي الفاصلين . { وقال الملأُ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتُم شعيبًا } وتركتم دينكم { إنكم إذًا } أي : إذا اتبعتموه { لخاسرون } لاستبدالكم ضلالته بهداكم ، أو لفوات ما يحصل لكم من البخس والتطفيف . { فأخذتهم الرجفةُ } أي : الزلزلة . وفي سورة الحجر . { الصيحة } ، ولعلها كانت من مبادئها ، { فأصبحوا في دارهم } أي : في مدينتهم { جاثمين } باركين ميتين . { الذين كذَّبوا شعيبًا كأن لم يَغنَوا فيها } أي : استؤصلوا كأنهم لم يقيموا فيها ساعة . { الذين كذَّبوا شعيبًا كانوا هم الخاسرين } دينًا ودُنيا ، بخلاف الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا فإنهم الرابحون ، ولأجل التنبيه على هذا والمبالغة فيه كرر الموصول ، واستأنف الجملتين وأتى بهما اسميتين . { فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتُكم رسالات ربي ونصحتُ لكم } ، قاله بعد هلاكهم ، تأسفًا عليهم ، ثم أنكر على نفسه فقال : { فكيف آسى على قومٍ كافرين } ليسوا أهلاً للحزن عليهم ، لاستحقاقهم ما نزل بهم . الإشارة : يؤخذ من قوله : { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } أن إقامة الشرائع ، وظهور الدين من علامة إصلاح الأرض وبهجتها ، وخصبها وعافيتها ، وترك الشرائع وظهور المعاصي من علامة فساد الأرض وخرابها . ويؤخذ من قوله : { ولا تقعدوا بكل صراط … } الآية ، أن حض الناس على الإيمان ودلالتهم على الله من أفضل القربات عند الله ، وأعظم الوسائل إلى الله . ويؤخذ من قوله : { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله } أن الإنسان لا يقف مع ظاهر الوعد والوعيد ، ولعل الله تعالى علَّق ذلك الوعد أو الوعيد بشروط وأسباب أخفاها ، ولذلك كان العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير الله قراره . وفي بعض الآثار القدسية : " يا عبدي لا تأمن مكري وإن أمَّنتك ، فعلمي لا يحيط به محيط " والله تعالى أعلم . ولما سَرَد قصص الأمم السالفة ذكر حاله معهم ، فقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } .