Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 13-19)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ الأبرارَ } أي : المؤمنين { لَفِي نعيم } عظيم ، وهو نعيم الجنان { وإِنَّ الفُجَّار } أي : الكفار { لَفِي جحيم } كذلك ، وفي تنكيرهما من التفخيم والتهويل ما لا يخفى ، { يَصْلَونها يومَ الدِّين } يُقاسون حرها يوم الجزاء ، وهو استئناف بياني منبىء عن سؤال نشأ عن تهويلها ، كأنه قيل : ما حالهم فيها ؟ فقال : يحترقون فيها يوم الدين ، الذي كانوا يُكذِّبون به ، { وما هم عنها بغائبين } طرفة عين بعد دخولها ، وقيل : معناه : وما كانوا عنها غائبين قبل ذلك ، بل كانوا يجدون سمومها في قبورهم ، حسبما قال صلى الله عليه وسلم : " القَبْر رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّة ، أو حُفْرة مِنْ حُفَرِ النَّار " . { وما أدراك ما يومُ الدين ثم ما أدراك ما يومُ الدين } ، هو تهويل وتفخيم لشأن يوم الدين الذي يُكذِّبون به ، ببيان أنه خارج عن دائرة دراية الخلق فعلى أيّ صورة تصوروه ، فهو فوقها ، وكيفما تخيلوه فهو أهم من ذلك وأعظم ، أي : أيُّ شيء جعلك دارياً ما هو يوم الدين ؟ على أنَّ " ما " الاستفهامية خبر " يوم " ، كما هو رأي سيبويه ، لما مَرّ من أنّ مدار الإفادة هو الخبر لا المبتدأ ، ولا ريب أنّ مناط إفادة التهويل والفخامة هنا هو : ما يوم الدين أيّ شيء عجيب هو في الهول والفضاعة ؟ انظر أبا السعود . قال ابن عباس رضي الله عنه : كل ما في القرآن من قوله تعالى : { وما أدراك } فقد دراه ، وكل ما فيه من قوله : { وما يدريك } فقد طوي عنه . هـ . وينتقض بقوله تعالى : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } [ عبس : 3 ] . ثم بيَّن شأن ذلك اليوم إجمالاً ، فقال : { يومَ لا تملك نفسٌ لنفسٍ شيئاً } أي : لا تستطيع دفعاً عنها ، ولا نفعاً لها بوجه ، وإنما تملك الشفاعة به بالإذن ، ويوم : مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أو بدل من يوم الدين ، ومَن نصب فبإضمار " اذكر " ، كأنه قيل بعد تفخيم أمر يوم الدين وشويقه صلى الله عليه وسلم إلى معرفته : اذكر يوم لا تملك نفس إلى آخره ، فإنه يُدريك ماهو ، { والأمرُ يومئذ لله } لا لغيره ، فهو القاضي فيه وحده دون غيره ، ولا شك أنَّ الأمر لله في الدارين ، لكن لمّا كان في الدنيا خفياً ، لا يعرفه إلاَّ العلماء بالله ، وأمّا في الآخرة فيظهر المُلك لله لكل أحدٍ ، خصّه به هناك . والله تعالى أعلم . الإشارة : قال القشيري : إنَّ الأبرار لفي نعيم الشهود والحضور ، وإنَّ الفجار لفي جحيم الحجاب والغيبة ، يَصْلونها يومَ الدين ، يحترقون بنار الحجاب ، ونيران الاحتجاب يوم الجزاء والثواب ، وما أدراك ما يوم الدين ، ثم ما أدراك ما يومُ الدين ، يُشير إلى التعجُّب من كُنه أمره ، وشأن شأنه ، يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئاً ، لفناء الكل ، ذاتاً وصفاتاً وأفعالاً . هـ . { والأمر يومئذ للّه } ، قال الواسطي : الأمر اليوم ويومئذ ولم يزل ولا يزال لله ، لكن الغيب بحقيقته لا يُشاهده إلاّ الأكابر من الأولياء ، وهذا خطاب للعموم ، إذا شاهدوا الغيب تيقّنوا أنَّ الأمر كله لله . فأما أهل المعرفة فمُشَاهَد لهم الأمر كمشاهدتهم يومئذٍ ، لا تزيدهم مشاهدة الغيب عياناً على مشاهدته لهم تصديقاً ، كعامر بن عبد القيس ، حين يقول : لو كُشف الغطاء ما ازددت يقيناً . هـ . وقاله أيضاً عليّ رضي الله عنه . وقال القشيري : الأمر يومئذ لله وقبله وبعده ، ولكن تنقطع الدعاوى ذلك اليوم ، ويتضح الأمر ، وتصير المعارف ضرورية . هـ . وقال الشيخ ابن عبّاد رضي الله عنه في رسائله الكبرى ، بعد كلام : وليت شعري ، أيّ وقت كان المُلك لسواه حتى يقع التقييد بقوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ } [ الحج : 56 ] وقوله : { والأمر يومئذ لله } لولا الدعاوى العريضة من القلوب المريضة . هـ . وقال الورتجبي : دعا بهذه الآية العبادَ إلى الإقبال عليه بالكلية بنعت ترك ما سواه ، فإنَّ المُلك كله لله في الدنيا والآخرة ، يُضل مَن يشاء ، ويهدي مَن يشاء . هـ . وصلّى الله على سيدنا محمد وآله .