Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 83, Ayat: 29-36)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جلّ جلاله : { إِنَّ الذين أجرموا } كفروا ، كأبي جهل والوليد والعاص بن وائل وأضرابهم ، { كانوا من الذين آمنوا } كعمّار وصُهيب وخباب وبلال { يضحكون } استهزاء بهم ، { وإِذا مَرُّوا بهم يتغامزون } يُشير بعضهم إلى بالعين طعناً فيهم وعيباً لهم ، وقيل : جاء عليٌّ في نفر من المسلمين ، فسخر منهم المنافقون ، وضحكوا وتغامزوا ، وقالوا : أترون هذا الأصلع ؟ فنزلت قبل أن يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكون الآية على هذا مدنية ، { وإِذا انقلبوا إلى أهلهم } أي : إذا رجع الكفار إلى منازلهم { انقلبوا فاكهين } ، متلذذين بذكرهم بالسوء ، أو متعجبين ، وقرأ حفص : { فكهين } بالقصر ، أي : أشرين أو فرحين ، وقال الفراء : هما سواء كطاعن وطعن . { وإِذا رَأَوهم } أي : رأى الكافرون المؤمنين { قالوا إِنَّ هؤلاء لضالُّون } أي : مخدوعون ، أي : خدع محمدٌ هؤلاء فضلُّوا وتركوا اللذّات لما يرجونه في الآخرة من الكرامات ، فقد تركوا العاجل بالآجل ، والحقيقة بالخيال وهذا عين الضلال ، ولم يشعر هؤلاء الكفرة أنَّ ما اغترُّوا به وانهمكوا فيه هو عين الضلال ، قال تعالى : { وما أُرسلوا عليهم حافظين } أي : وما أرسل الكفّار على المسلمين ، يحفظون أعمالهم ويرقبون أحوالهم . والجملة حال ، أي : قالوا ذلك والحال أنهم ما أُرسلوا من جهة الله تعالى موكّلين بهم ، مهيمنين على أعمالهم ، يشهدون برُشدهم وضلالهم ، بل أُمروا بإصلاح أنفسهم ، فاشتغالهم بذلك أولى من تتبُّع عورات غيرهم . { فاليومَ الذين آمنوا من الكفارِ يضحكون } ، حين يرونهم مغلولين أذلاء قد غشيتهم فنون العذاب والصغَار بعد العزة والاستكبار ، وهم { على الأرائك } آمنون ووجه ذلك : أنهم لمَّا كانو أعداءهم في الدنيا جعل لهم سروراً في تعذيبهم ، وقال كعب : بين الجنة والنار كُوَىً ، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدوه الذي كان له في الدنيا نظر إليه ، دليله : { فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] فضحكوا منهم في الآخرة كما كانوا يضحكون منهم في الدنيا جزاءً وفاقاً . { على الأرائك ينظرون } حال ، أي : يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من سوء الحال ، وقيل : يُفتح إلى الكفار باب إلى الجنة ، فيُقال لهم : هَلمُّوا إليها ، فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم ، يفعل ذلك بهم مراراً ، ويضحك المؤمنون ، ويأباه قوله تعالى : { هل ثُوِّب الكفارُ ما كانوا يفعلون } فإنه صريح في أنَّ ضحك المؤمنين منهم جبراً لضحكهم منهم في الدنيا ، فلا بد من المجانسة والمشاكلة . والتثويب والإثابة : المجازاة ، أي : ينظرون هل جُوزي الكفار بما كانوا يفعلون من السخرية بالمؤمنين أم لا ؟ ويحتمل أن يكون مفعول : " ينظرون " محذوفاً أي : ينظرون إلى أعدائهم في النار ، أو إلى ما هم فيه من نعيم الجنان ، ثم استأنف بقوله : { هل ثُوِّب الكفارُ ما كانوا يفعلون } أي : هل جُوزوا بذلك إذا فعل بهم هذا العذاب المهين ، و " هل " على هذا للتقرير ، قال الرضي : وتختص " هل " بحكمين دون الهمزة ، وهما : كونها للتقرير في الإثبات ، كقوله تعالى : { هل ثوب الكفار } أي : ألم يَثوبوا ، وإفادتها للنفي حتى جاز أن يجيء بعدها " إلاَّ " قصداً للإيجاب ، كقوله تعالى : { هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] وقول الشاعر : @ وهل أنا إلاّ مِن غُزَيّةَ إن غوت غَويتُ ، وإن تُرشَدْ غزية أرشد @@ الإشارة : ما قاله الكفرة في ضعفاء المسلمين قاله أهل الغفلة في المنتسبين الذاكرين ، حرفاً بحرف ، وما أُرسلوا عليهم حافظين ، فإذا تحققت الحقائق ، ورُفع الذاكرون مع المقربين ، وبقي أهل الغفلة مع الغافلين في أهل اليمين ، يضحكون منهم كما ضحكوا منهم في الدنيا . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى الطريق ، وصلّى الله عليى سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم .