Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 11-17)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والسماءِ ذات الرجع } أي : المطر ، لأنه يرجع حيناً بعد حين ، وسمَّته العرب بذلك تفاؤلاً ، { والأرضِ ذات الصَّدْع } أي : الشق ، لأنها تنصدع عن النبات والأشجار لا بالعيون كما قيل ، فإنَّ وصف السماء بالرجع ، والأرض بالشق ، عند الإقسام بها على حقيّة القرآن الناطق بالبعث للإيماء إلى أنهما في أنفسهما من شواهده ، وهو السر في التعبير عنه بالرجع والصدع ، لأنَّ في تشقُّق الأرض بالنبات محاكاة للنشور ، حسبما ذكر في مواضع من القرآن ، لا في تشققها بالعيون . { إِنه } أي : القرآن { لَقَولٌ فَصْلٌ } فاصل بين الحقّ والباطل ، كما قيل له : فرقاناً ، وصفَه بالمصدر ، كأنه نفس الفعل ، { وما هو بالهزلِ } أي : ليس في شيء منه شائبة هزل ، بل كله جد محض ، ومِن حقه حيث وصفه الله بذلك أن يكون مُهاباً في الصدور ، معظماً في القلوب ، يرتفع به قارئه وسامعه ، ويهتدي به الغواة ، وتخضع له رقاب العُتاة . { إِنهم } أي : أهل مكة { يَكيدون } في إبطال أمره ، وإطفاء نوره { كيداً } على قدر طاقتهم { وأكيدُ كيداً } أي : أقابلهم بكيد متين لا يمكن رده ، فأسْتدرجهم إلى الهلاك من حيث لا يعلمون . فسمي جزاء الكيد كيداً ، كما سمي جزاء الاعتداء والسيئة اعتداءً وسيئة ، وإن لم يكن اعتداءً وسيئة ، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف على الله تعالى إلاَّ على وجه المشاكلة ، كقوله : { يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] إلى غير ذلك { فَمَهِّل الكافرين } أي : لا تدع بهلاكهم ، ولا تشغل بالانتقام منهم ، بل اشتغل بالله يكفِك أمرهم { أمهِلهم رُويداً } أي : إمهالاً يسيراً ، فـ " أمهِلهم " : بدل من " مَهِّل " ، وخالف بين اللفظتين لزيادة التسكين والتصبير . و " رويداً " : مصدر أرود بالترخيم ، ولا يتكلم به إلاَّ مصغراً ، وله في الاستعمال وجهان آخران : كونه اسم فعل ، نحو رُويد زيداً ، وكونه حالاً ، نحو : سار القوم رويداً ، أي : متمهلين . الإشارة : اعلم أنَّ الحقيقة سماء ، والشريعة أرض ، والطريقة سُلّم ومعراج يصعد إليها ، فمَن لا طريقة له لا عروج له إلى سماء الحقائق ، فأقْسَم تعالى بسماء الحقائق ، وأرض الشرائع ، على حقيّة القرآن ، ووصف الحقيقة بالرجع لأنه يقع الرجوع إليها بالفناء ، ووصف أرض الشريعة بالصَدْع لأنها تتصدّع عن علوم وأنوار تليق بها ، ووصف القرآن بالفصل بين الحق والباطل ، فمَن طلب الحق من غيره أضلّه الله . ووصفه أيضاً بالجدّ غير منسوب لشيء من الهزل ، فينبغي للقارىء عند تلاوته أن يكون على حال هيبة وخشوع ، لا يمزج قراءته بشيء من الهزل أو الضحك ، كما يفعله جهلة القراء . ثم أمر بالغيبة عن الأعداء ، والاشتغال بالله عنهم بقوله : { فَمَهِّل الكافرين أمهلهم رويداً } ، قال بعض العارفين : لا تشتغل قط بمَن يؤذيك ، واشتغل بالله يرده عنك ، فإنه هو الذي حرَّكه عليك ليختبر دعواك في الصدق ، وقد غلط في هذا خلق كثير ، اشتغلوا بإذاية مَن آذاهم ، فدام الأذى مع الإثم ، ولو أنهم رجعوا إلى الله لكفاهم أمرهم . هـ . وبالله التوفيق . وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .