Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 73-74)
Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول الحق جل جلاله : { يا أيها النبيُّ جاهد الكفار } بالسيف ، { والمنافقين } باللسان بإلزام الحجة وبإقامة الحدود ما لم يظهر عليهم ما يدل على كفرهم ، فإن ظهر عليهم ذلك فحكمهم كحكم الزنديق ، فيقتل على المشهور . { واغْلظْ عليهم } بالقول والفعل ، إن استوجبوا ذلك ، ولا تراقبهم ، { ومأواهم جهنُم وبئس المصير } أي : المرجع ، مصيرهم . { يحلفون بالله ما قالوا } ، رُوي : أنه صلى الله عليه وسلم أقام في غزوة تبوك شهرين ، ينزل عليه القرآن ، ويعيب المختلفين فقال الجُلاس بن سُويد : لئن كان ما يقول محمد في إخواننا حقاً لنحن شرٌّ من الحمير ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فاستحضره ، فحلف بالله ما قال ، فنزلت ، فتاب الجُلاس ، وحسُنَت توبته . قال تعالى : { ولقد قالوا كلمة الكفر } ، يعني : ما تقدم من قول الجُلاس ، أو قول ابن أُبيّ : سَمِّن كَلبَك يأكُلك ، أو : { لئن رجعنا إلى المدينة } … الآية . { كفروا بعد إسلامهم } وأظهروا الكفر بعد إظهار الإسلام ، ولم يقل بعد إيمانهم ، لأنهم يقولون بألسنتهم : آمنا ، ولم يدخل في قلوبهم ، { وهَمُّوا بما لم ينالوا } من قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو : أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مَرْجِعِه من تبوك ، أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي ، إذا وصل إلى العَقَبة بالليل ، فأخذ عمَّار بن ياسر بخطام راحلته يقودها ، وحُذيفة خلفها يسوقها ، فبينما هم كذلك إذ سمع حُذَيفة تقعقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح ، فقال : إليكم إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا . أو : هموا بإخراجه من المدينة ، أو إخراج المؤمنين ، أو هموا بأن يُتَوجُوا عبد الله بن أُبي ، وإن لم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينالوا شياً من ذلك . { وما نَقَمُوا } أي : وما عابوا وكرهوا { إلا أن أغناهم الله ورسولُهُ من فضله } الذين حقهم أن يشكروا عليه ، وذلك أن اكثر أهل المدينة كانوا محاويج ، في ضَنَكٍ من العيش ، فلما قَدِمَهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استغنوا بالغنائم ، وقُتِل للجُلاَس مولى ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بديته اثنى عشر ألفاً ، فأُعطيت له ، فاستغنى . { فأن يتوبُوا يَكُ خيراً لهم } ، وهذا حمل الجلاس على التوبة ، والضمير يعود على الرجوع المفهوم من التوبة ، { وإن يتولوا } عنك بالإصرار على النفاق ، { يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا والآخرة } بالقتل والنار ، { وما لهم في الأرض من وليِّ ولا نصير } ينجيهم من العذاب . الإشارة : كفار الخصوصية على القسمين : قسم أظهروا الإنكار على أهلها ، وقسم أبطنوه وأظهروا الوفاق ، ففيهم شبه بأهل النفاق ، فينبغي الإعراض عن الجميع ، والاشتغال بالله عنهم ، وهو جهادهم والإغلاظ عليهم ، فعداوة العدو حقاً هو اشتغالك بمحبة الحبيب حقاً . وقد تَصْدر عنهم في جانب أهل الخصوصية مقالات ثم ينكرونها ، وقد يَهمُّوا بما لم ينالوا من إذايتهم وقتلهم ، لو قدروا . والله يتولى الصالحين . ونزل في ثعلبة بن حاطب ، قوله تعالى : { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } .