Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 93, Ayat: 1-5)

Tafsir: al-Baḥr al-madīd fī tafsīr al-Qurʾān al-maǧīd

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول الحق جلّ جلاله : { والضُحى } ، المراد به : وقت الضحى ، وهو حدود النهار حتى ترتفع الشمس ، وإنما خُصّ بالإقسام به لأنه الساعة التي كلّم الله فيها موسى عليه السلام ، والتي وقع فيها السحرة ساجدين ، أو : النهار كلّه لمقابلته بالليل في قوله : { والليلِ إِذا سجى } سَكَن ، المراد : سكون الناس والأصوات فيه ، أو ركد ظلامه ، من : سجا البحر إذا سكنت أمواجه ، وقيل : المراد بالضحى : ساعة مناجاة موسى ، وبالليل : ليلة المعراج . وجواب القسم : { ما ودّعَكَ ربُّك } أي : ما تركك منذ اختارك ، { وما قَلَى } أي : وما أبغضك منذ أحبك ، والتوديع : مبالغةٌ في الودْع ، وهو الترك لأنَّ مَن ودّعك مفارقاً فقد بالغ في تركك . رُوي أنَّ الوحي تأخّر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً ، فقال المشركون : إنَّ محمداً ودَعَهُ ربُّه وقلاه ، فنزلت ردًّا عليهم ، وتبشيراً له صلى الله عليه وسلم بالكرامة الحاصلة . وحذف الضمير من " قَلَى " إمّا للفواصل ، أو للاستغناء عنه بذكره قبل ، أو : للقصد إلى نفس صدور الفعل عنه تعالى ، مع قطع النظر عما يقع عليه الفعل بالكلية ، وحيث تضمّن ما سبق من نفي التوديع ، والقَلى أنه تعالى يُواصله بالوحي والكرامة في الدنيا بَشَّر صلى الله عليه وسلم بأنّ ما سيؤتاه في الآخرة أجلّ وأعظم بذلك ، فقيل : { وللآخرةُ خير لك من الأُولى } ، لأنَّ ما فيها من النِعم صافية من الشوائب على الإطلاق ، وهذه فانية مشوبة بالمضار وما أوتي صلى الله عليه وسلم من شرف النبوة ، وإن كان مما لا يُعادله شرف ، ولا يُدانيه فضل ، لكنه لا يخلو في الدنيا عن بعض العوارض الشاقة على النفس . ووجه اتصال الآية بما قبلها : أنه لمَّا كان في ضمن نفي التوديع والقَلي أنَّ الله يُواصلك بالوحي إليك ، وأنك حبيب الله ، ولا ترى كرامة أعظم من ذلك ، أخبر أن ما له في الآخرة أعظم وأشرف ، وذلك لتقدُّمه على الأنبياء في الشفاعة الكبرى ، وشهادة أمته على الأمم ، ورفع درجات المؤمنين ، وإعلاء مراتبهم بشفاعته ، وغير ذلك من الكرامات السنية التي لا تُحيط بها العبارة . وقوله تعالى : { ولَسَوْفَ يُعطيك ربُّك فترضى } وَعْد كريمٌ شاملٌ لِما أعطاه الله تعالى في الدنيا ، من كما اليقين ، وعلوم الأولين والآخرين ، وظهور أمره ، وإعلاء دينه بالفتوح الواقعة في عصره صلى الله عليه وسلم ، وفي أيام خلفائه الراشدين وغيرهم من الملوك الإسلامية ، وفشو الدعوة ، وإعلاء منار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها ، ولِما ادخر له من الكرامات التي لا يعلمها إلاَّ الله عزّ وجل ، وقد أنبأ ابنُ عباسٍ عن شيء منها ، حيث قال : " أعطي في الجنة ألف قصر من لؤلؤ أبيض ، ترابه المسك " . وفي الحديث : لَمَّا نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم : " أنا لا أرضى وواحد من أمتي في النار " قال بعضهم : هذه أرجى أية في القرآن . ودخل صلى الله عليه وسلم على فاطمة ، وعليها ثياب من صوف وشعر ، وهي تطحن وتُرضع ولدها ، فدمعت عيناه ، وقال : " يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا لحلاوة الآخرة " ثم تلا : { ولسوف يعطيك ربك فترضى } . واللام للقسم ، وإنما لم تدخل نون التوكيد لفصل السين بين القسم والفعل . الإشارة : قال القشيري : يُشير إلى القسم بضحوة نهار قلب الرسول ، عند انتشار شمس روحه على بشريته ، وبِلَيل بشريته عند أحكام الطبيعة وسلوك آثار البشريه لغلبة سلطان الحقيقة ، ما ودَّعك ربك بقطع فيض النبوة والرسالة عن ظاهرك ، وما قَلَى بقطع فيض الولاية عن قلبك ، { وللآخرةُ خير لك من الأولى } يعني : أحوال نهايتك أفضل وأكمل من أحوال بدايتك ، لأنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يطير بجناحي الشريعة والطريقة في جو سماء الحقيقة ، ويترقّى في مقامات القٌرب والكرامة . هـ . ويمكن الخطاب بالسورة الكريمة لخليفته من العارفين ، الدعاة إلى الله . والله تعالى أعلم . ثم عدَّد عليه نِعَمَه ، فقال : { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَىٰ } .