Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 45-45)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حفص { يحشرهم } بالياء . الباقون بالنون . قال أبو علي الفارسي : قوله { كأن لم يلبثوا } يحتمل ثلاثة أوجه : احدها - أن يكون صفة اليوم . والآخر - أن يكون صفة للمقدر المحذوف . والثالث - أن يكون حالا من الضمير في { يحشرهم } فاذا جعلته صفة لليوم احتمل أن يكون التقدير { كأن لم يلبثوا } قبله { إلا ساعة } كما قال { فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف } أي امسكوهن قبله ، وكذلك قوله { فإن فاءوا فإن الله } معناه فان فاءوا قبل انقضاء الاربعة أشهر . ويحتمل أن يكون المعنى { كأن لم يلبثوا } قبله ، فحذف المضاف وأقام المضاف اليه مقامه ، ثم حذفت الهاء من الصفة . ومثله { وترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم } والتقدير وجزاؤه واقع بهم . وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفيناه ، ومثله { كأن لم يلبثوا } قبله فحذف وأقام المضاف اليه مقام المضاف ، ثم حذف العائد من الصفة ، كما يحذف من الصلة في نحو قوله { أهذا الذي بعث الله رسولاً } وإن جعلته حالا من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء في اللفظ ، لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال . والمعنى يحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث الا ساعة . ويحتمل أن يكون معمولا بما دل عليه قوله { كأن لم يلبثوا } فاذا جعلته معمولا لـ { يتعارفون } انتصب { يوم } على وجهين : احدهما - أن يكون ظرفاً والآخر - ان يكون مفعولا على السعة ، على يا سارق الليلة أهل الدار . ومعنى { يتعارفون } يحتمل امرين : احدهما - ان يكون المعنى يتعارفون مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها وحذف المفعول للدلالة عليه ، أو يكون أعمل الفعل الذي دل عليه { يتعارفون } ألا ترى انه قد دل على سيعلمون إذ يتعارفون ، فعلى هذا يكون قوله { ويوم يحشرهم } معمول { يتعارفون } . والآخر - أن يكون { يوم يحشرهم } معمول ما دل عليه قوله { كأن لم يلبثوا } لأن المعنى تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث ، فعمل في الظرف هذا المعنى ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف وان تقدم الظرف عليه كقولهم : أكل يوم لك ثوب ؟ واذا جعلت { يتعارفون } العامل في { يحشرهم } لم يجز أن يكون صفة اليوم ، على أنك كأنك وصفت اليوم بقوله كأن لم يلبثوا ويتعارفون ، فوصفت يوم يحشرهم بجملتين لم يجز أن يكون معمولا لقوله { يتعارفون } لأن الصفة لا تعمل في الموصوف ، وجاز وصف اليوم بالجمل وان أضيف ، لأن الاضافة ليست محضة ، فلم تعرفه . ومن قرأ بالنون فلقوله { وحشرناهم فلم نغادر } وقوله { فجمعناهم جمعاً } وقوله { ونحشره يوم القيامة أعمى } ومن قرأ بالياء فلقوله { ليجمعنكم إلى يوم القيامة } والنون والياء متعارفان في مثل هذا بدلالة قوله { وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه } فعلم من هذا ان كل واحد منهما يجري مجرى الآخر . يقول الله تعالى في هذه الآية أنه يوم يحشر الخلق إلى المحشر والموقف { كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } عند أنفسهم ؛ لقلة بقائهم فيها وسرعة تصرمها عنهم مع طول وقوفهم يوم القيامة ومع علمهم بدوام بقائهم في الاخرة ، شبه قرب الوقت إلى ذلك الحين بساعة من النهار لأن كل ما هو آت قريب ، كما قال { اقتربت الساعة } ودل بذلك على أنه لا ينبغي لأحد أن يغتر بطول ما يأمله من البقاء في الدنيا إذ كان عاقبة ذلك إلى الزوال . وقوله { يتعارفون بينهم } اخبار منه تعالى أن الخلق يعرّف بعضهم بعضاً في ذلك الوقت خسرانهم ويتذاكرونه . وقوله { قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله } اخبار منه تعالى بأن الذين كذبوا بالبعث والنشور ولقاء ثواب الله ولقاء عقابه يخسرون نفوسهم . والخسران ذهاب رأس المال ، فالنفس أكبر من رأس المال . وقوله { وما كانوا مهتدين } معناه لا يكونون مهتدين إلى طريق الجنة لكونهم مستحقين للعقاب . وقال الزجاج : معنى الآية قرب ما بين موتهم كما قالوا { لبثنا يوماً أو بعض يوم } و { يتعارفون بينهم } أي يعرف بعضهم بعضاً ، وفي ذلك توبيخ لم وإثبات الحجة عليهم .