Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة ويعقوب { ما هي } بحذف الهاء فى الوصل ، الباقون باثباتها ، ولم يختلفوا فى الوقف أنه بالهاء . ومعنى { القارعة } البلية التي تقرع القلب بشدة المخافة تقول : قرع يقرع قرعاً وهو الصوت بشدة اعتماد ، ومنه انشقت القرعة ، وتقارع القوم في القتال إذا تضاربوا بالسيوف ، وقرع رأسه إذا ضرب في أعلى الشعر حتى يذهبه ، والقرعة كالضرب بالفال . وقال وكيع : القارعة ، والواقعة ، والحاقة القيامة . وقوله { وما أدراك ما القارعة } تعظيم لشأنها ، وتفخيم لامرها وتهويل لشدتها . ومعناه وأي شيء القارعة ومعناه إنك يا محمد صلى الله عليه وآله لا تعلم كبر وصفها وحقيقة أمرها على التفصيل وإنما تعلمها على طريق الجملة ، ثم وصفها الله تعالى فقال { يوم تكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش } والمعنى إن القارعة التى وصفها وذكرها تقرع القلوب يوم تكون الناس بهذه الصفة . والفراش الجراد الذي ينفرش ويركَب بعضه بعضاً ، وهو غوغاء الجراد - فى قول الفراء - وقال ابو عبيدة : هو طير يتفرش وليس بذباب ، ولا بعوض . وقال قتادة : الفراش هو هذا الطير الذي يتساقط فى النار والسراج . والمبثوث المتفرق فى الجهات ، كأنه محمول على الذهاب فيها ، يقال : بثه يبثه إذا فرقه ، وأبثثته الحديث إذا ألفيته اليه ، كأنك فرقته بأن جعلته عند اثنين . وقوله { وتكون الجبال كالعهن المنفوش } فالعهن الصوف الالوان - في قول أبي عبيدة - قال زهير : @ كأن فتات العهن فى كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم @@ ويقال : عهن وعهنة . وقيل : إن الخلائق لعظم ما يرونة من الاهوال ويغشاهم من العذاب يهيم كل فريق على وجهه ، ويذهب في غير جهة صاحبه . وقوله { فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية } قال الفراء الموازين والاوزان واحد ، يقولون : هل لك في درهم بميزان درهمك ، ووزن درهمك . وقال الحسن : فى الآخرة ميزان له كفتان . وهو قول الجبائي واكثر المفسرين . ثم اختلفوا فمنهم من قال : يجعل الله تعالى في احدى الكفتين نوراً علامة للطاعات وفي الآخرى ظلمة علامة للمعاصي فأيهما رجح على الآخر حكم لصاحبه به . وقال آخرون : إنما يوزن صحف الاعمال فما فيها الطاعات تجعل فى كفة وما فيها المعاصي فى كفة أخرى فايهما رجح حكم لصاحبه به . وقال قوم : الميزان عبارة عن العدل ومقابلة الطاعات بالمعاصي ، فايهما كان اكثر حكم له به وعبر عن ذلك بالثقل مجازاً لان الاعمال أعراض لا يصح وزنها ولا وصفها بالثقل والخفة ، قال الشاعر : @ لقد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه @@ يريدون كلامه في معارضته ، فبين الله تعالى أن من كانت طاعته أكثر كان ثوابه أعظم ، فيكون صاحبها { في عيشة راضية } أي مرضية ، ففاعل - ها هنا - بمعنى المفعول ، لان معناه ذو رضا كقولهم ( نابل ) أي ذو نبل ، قال النابغة : @ كليني لهم يا أميمة ناصب وليل اقاسيه بطيء الكواكب @@ أي ذو نصب وقال آخر : @ وغررتني وزعمت أنك لابن بالصيف تامر @@ أى ذو لبن وذ وتمر . وقال مجاهد { ثقلت موازينه } على جهة الميل ، ثم بين من كانت معاصيه أكثر وقلت طاعاته { فأمه هاوية } أى مأواه هاوية يعني ، جهنم ، وإنما سماها { أمه } لانه يأوى اليها كما يأوى الولد إلى أمه ، وسميت هاوية - لما قال قتادة وابو صالح - من أن العاصي يهوي إلى أم رأسه في النار . ثم قال على وجه التفخيم والتعظيم لامرها { وما أدراك } يا محمد صلى الله عليه وآله { ما هيه } أى انك تعلمها على الجملة ولا تعلم تفصيلها وأنواع ما فيها من العقاب . والهاء في قوله { ما هيه } للسكت إلا أنه اجري الوصل معها مجرى الوقف ، ويجوز فيها الحذف ، ثم فسر الله تعالى فقال { نار حامية } أى هي نار حامية شديدة الحرارة .