Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 69-69)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ حمزة والكسائي " قال سلم " بكسر السين وسكون اللام من غير الف هنا ، وفي الذاريات . قال محمد بن يزيد المبرد ( السلام ) في اللغة يحتمل اربعة اشياء ، منها مصدر سلمت ، ومنها جمع سلامة ، ومنها اسم من اسماء الله ، ومنها اسم شجرة ، ومنه قول الاخطل : @ الاسلام وحرمل @@ وقوله { دار السلام } يحتمل ان يكون مضافاً الى الله تعظيماً لها ، ويجوز ان يكون دار السلام من العذاب لمن حصل فيها . واما انتصاب قوله { سلاماً } فانه لا يحك شيئاً تكلموا به فيحكى كما تحكى الجمل ، ولكن هو ما تكلمت به الرسل ، كما ان القائل اذا قال لا اله الا الله ، فقلت له قلت حقاً او قلت اخلاصاً اعملت القول في المصدر لانك ذكرت معنى ما قال ، فلم يحك نفس الكلام الذي هو جملة يحكى ، فكذلك نصب سلاماً هنا ، لما كان معنى ما قيل ولم يكن نفس القول بعينه . وقوله { وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } قال بسيبويه زعم ابو الخطاب : ان مثله يراد به مثل قولك سبحان الله الذي ، تفسيره براءة الله من السوء ، وقولك للرجل سلاماً تريد مسلماً منك لا ابتلي بشيء من امرك . وقوله " سلام " مرفوع ، لانه من جملة الجملة المحكية ، وتقديره سلام عليكم فحذف الخبر كما حذف من قوله { فصبر جميل } اي فصبر جميل امثل او يكون المعنى امري سلام وشأني سلام ، كما يجوز ان يكون في قوله { فصبر جميل } المحذوف منه المبتدا ، ومثله على حذف المبتدا قوله تعالى { فاصفح عنهم وقل سلام } او حذف الخبر ويكون سلام مبتدأ واكثر ما يستعمل { سلام } بغير الف ولام لأنه في معنى الدعاء ، فهو مثل قولهم خير بين يديك ، فمن ذلك قوله { قال سلام عليك سأستغفر لك ربي } وقوله { سلام عليكم بما صبرتم } وقوله { سلام على نوح } و { سلام على إبراهيم } وقوله { سلام على عباده الذين اصطفى } وقد جاء بالالف واللام قال تعالى { والسلام على من اتبع الهدى } و { والسلام علي يوم ولدت } وزعم ابو الحسن ان من العرب من يقول : السلام عليكم ، ومنهم من يقول سلام عليكم فمن ألحق فيه الالف واللام حمله على المعهود . ومن لم يلحقه حمله على غير المعهود , وزعم أن منهم من يقول سلام عليكم بلا تنوين ، وحمل ذلك على وجهين : أحدهما - انه حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الاصل في نحو لم يك ولا ادر ويوم يأت . والآخر - انه لما كثر استعمال هذه الكلمة ، وفيها الالف والام جاز حذفها منها لكثرة الاستعمال كما حذفوا من اللهم فقالوا : لا هم كما قال الشاعر : @ لا هم لا هم ان عامر العجوز قد حبس الخيل على يعمور @@ ومن قرأ ( سلم ) بلا الف احتمل امرين : احدهما - ان يكون بمعنى ( سلم ) والمعنى أمرنا سلم وسلم عليكم ، ويكون سلام بمعنى سلم ، كقولهم حل وحلال ، وحرم وحرام ، انشد الفراء : @ وقفنا فقلنا ايه سلم فسلمت كما اكيل بالبرق الغمام اللوائح @@ وروي كما انكل . ثم قال الفراء في رفع سلام انه حين نكرهم ، قال هو سلم ان شاء الله ، من أنتم ؟ فعلى هذا القراءتان بمعنى واحد . والآخر أن يكون ( سلم ) خلاف العدو ، والحرب . كأنهم لما كفوا عن تناول ما قدم اليهم فنكرهم واوجس منهم خيفة ، قال انا سلم ، ولست بحرب ولا عدو ، فلا تمتنعوا من تناول طعامي ، كما يمتنع من تناول طعام العدو ، وقوله { ولقد } دخلت اللام لتأكيد الخبر ، كما يؤكد القسم ، ومعنى ( قد ) هنا ان السامع لقصص الأنبياء يتوقع قصة بعد قصة ، و ( قد ) للتوقع فجاءت لتؤذن أن السامع في حال توقع . أخبر الله تعالى أنه لما جاءت رسل ابراهيم يبشرونه . وقيل في البشارة بماذا كانت قولان : احدهما - قال الحسن كانت بأن الله تعالى يهب له اسحاق ولداً ويجعله رسولا الى عباده . وقال غيره كانت البشارة باهلاك قوم لوط . وقوله { قالوا سلاماً } حكاية ما قال رسل الله لابراهيم مجيباً لهم { سلام } . وقوله { فما لبث أن جاء بعجل حنيذ } معنى ذلك لم يتوقف حتى جاء - على عادته في اكرام الاضياف وتقديم الطعام اليهم - بعجل ، وهو ولد البقرة يسمى بذلك لتعجيل امره بقرب ميلاده . ويقال : فيه عجول وجمعه عجاجيل ، و { الحنيذ } المشوي ومعناه محنوذ ، فجاء " فعيل " بمعنى " مفعول " كطبيخ ومطبوخ ، وقتيل ومقتول تقول : حنذه حنذاً ويحنذه قال العجاج : @ ورهبا من حنذه أن يهجرا @@ يعني الحمراء الوحشية أي حنذها حر الشمس على الحجارة . وقال الحسن حنيذ بمعنى نضيج مشوي . وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد : نضيج . وحكى الزجاج أن الحنيذ هو الذي يقطر ماؤه تقول العرب أحنذ هذا الفرس أي جلله حتى يقطر عرقاً . وانما قدم الطعام اليهم وهم ملائكة لأنه رآهم في صورة البشر ، فظنهم أضيافاً . وقال الحسن : جاؤوه فاستضافوه ، والا لم يخف عليه أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون . وقوله { أن جاء } في موضع نصب بوقوع لبث عليه ، كأنه قال فما ابطأ عن مجيئه بعجل ، فلما حذف حرف الجر نصب . قال الفراء : ويحتمل { أن جاء بعجل } أن يكون في موضع رفع بأن تجعل { لبث } فعلا له كأنك قلت فما أبطأ مجيئه بعجل حنيذ ، قال الفراء : ( الحنيذ ) ما حفرت له في الأرض ثم عممته وهو فعل أهل البادية . قال الفراء وغيره : وانما خافهم ابراهيم من حيث لم ينالوا طعامه ، لان عادة ذلك الوقت اذا قدم الطعام إلى قوم فلا يمسونه ظنوا أنهم أعداء .