Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 114, Ayat: 1-6)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كان الكسائي فى رواية أبي عمير يميل { الناس } لكسرة السين ، وهو حسن الباقون يتركون الامالة ، وهو الأصل . هذا أمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله ويدخل فيه المكلفون ، يأمرهم أن يستعيذوا { برب الناس } وخالقهم الذي هو { ملك الناس } ومدبرهم وإلههم { من شر الوسواس } وأن يقولوا هذا القول الذي هو { أعوذ برب الناس … } إلى آخرها و { رب الناس } هو الذي خلقهم ودبرهم على حسب ما اقتضته الحكمة وقوله { ملك الناس } إنما خص بأنه ملك الناس مع أنه ملك الخلق أجمعين لبيان أن مدبر جميع الناس قادر أن يعيذهم من شر ما استعاذوا منه مع أنه أحق بالتعظيم من ملوك الناس . والفرق بين { ملك } و { مالك } حتى جازا جميعا فى فاتحة الكتاب ولم يجز - ها هنا - إلا ملك ، لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير ، وليس كذلك مالك ، لأنه يجوز أن يقال : مالك الثوب ، ولا يجوز ملك الثوب ، ويجوز أن يقال : ملك الروم ، ولا يجوز مالك الروم ، فجرت - في فاتحة الكتاب - على معنى الملك فى يوم الجزاء ، ومالك الجزاء ، وجرت فى سورة الناس على { ملك } تدبير من يعقل التدبير ، فكأن هذا أحسن وأولى . وقوله { إله الناس } معناه أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه ، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره { من شر الوسواس } حديث النفس بما هو كالصوت الخفي وأصله الصوت الخفي من قول الاعشى : @ تسمع للحلي وسواساً إذا انصرفت كما استعان بريح عشرق زجل @@ وقال روبة : @ وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق سراً وقد أوّن تأوين العقق @@ والوسوسة كالهمهمة ومنه قولهم : فلان موسوس إذا غلبت عليه الوسوسة لما يعتريه من المرة . وسوس يوسوس وسواساً ووسوسة وتوسوس توسوساً . وفى معنى قوله { من شر الوسواس } ثلاثة أقوال : احدها - من شر الوسوسة التي تكون من الجنة والناس ، فأمر بالتعوذ من شر الجن والانس . الثاني - من شر ذي الوسواس وهو الشيطان ، كما قال في الاثر : انه يوسوس فاذا ذكر العبد ربه خنس ، فيكون قوله { من الجنة والناس } بيان انه منهم ، كما قال { إلا ابليس كان من الجن } فأما { والناس } فعطف عليه كأنه قيل من الشيطان الذي هذه صفته والناس الذين هذه صفتهم . الثالث - من شر ذي الوسواس الخناس على العموم ، ثم يفسر بقوله - عز وجل - من { الجنة والناس } كما يقال : نعوذ بالله من كل مارد : من الجن والانس وقوله { الخناس } معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور ، خنس يخنس خنوساً ، ومنه قوله { فلا أقسم بالخنس } أي بالنجوم التي تخفى بعدما تظهر بتصريف الحكيم الذي أجراها على حق حسن التدبير ، ومنه الخنس في الانف لخفائه بانخفاضه عندما يظهر بنتوئه . قال مجاهد : إذا ذكر العبد ربه خنس ، فاذا غفل وسوس اليه وقوله { الذي يوسوس في صدور الناس } قيل : ان الشيطان يعتري الانسان بكلام خفي بفعله يصل مفهومه إلى قلبه من غير سماع صوته ، كانسان يتكلم من وراء حجاب بكلام يصل مفهومه إلى القلب من غير سماع الصوت ، وهذه حالة معقولة تقع عليها الوسوسة وأما الانسان فانما يوسوس غيره بأن يدعوه إلى الفساد ويحسن ذلك ويغويه به ويسوفه التوبة ويمنيه العفو . وقوله { من الجنة والناس } بيان لمن يكون منه الوسوسة وقد بين الله تعالى أنه يكون من قبيل الجن ومن قبيل الانس . والناس أصله من الاناس ، فحذفت الهمزة التي هي فاء ويدل على ذلك الانس والاناس . واما في تحقيره نويس ، فان الالف لما كانت ثانية زائدة اشبهت الف فاعل فلما قلبت واواً شبهة بألف فاعل كذلك جازت الامالة في المواضع التي اميل الاسم فيها لذلك ، ومن سأل عن قوله { قل أعوذ برب . وقل يا أيها الكافرون . وسبح اسم ربك } وما اشبه ذلك من الاوامر المتوجهة إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال : كيف جاز من النبي صلى الله عليه وآله أن يقول : قل للأمة ؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يقول الانسان لغلامه قل لزيد كذا فيقول غلامه لزيد : قل كذا . وهذا خلاف الغرض . قلنا عنه جوابان : احدهما - ان الامر وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد به أمته معه ، فكانه خاطب الجميع بان يقولوا ذلك وأن يسبحوا وغير ذلك ، فلا سؤال على هذا . والثاني - ان الله تعالى أمر النبي صلى الله عليه وآله بأن يفعل الذي أمره وامره أيضاً بتلاوة كلامه ، فلما كان قوله { قل ، وسبح } من كلام الله وجب عليه أن يتلوه على وجهه ولو كان مأموراً بالفعل دون التلاوة لما وجب أن يأتي بلفظة { قل } في هذه المواضع كلها وجميع أي القرآن في البصري ست آلاف ومئتان وأربع آيات . وفي المدني الاول ست آلاف ومئتان وسبع عشرة آية . وفي الكوفي ست آلاف ومئتان وست وثلاثون آية . وفي المدني الاخير ست آلاف ومئتان واربع عشرة آية . وجميع ما نزل بمكة خمس وثمانون سورة لا خلاف في ذلك . وبالمدينة تسع وعشرون سورة لا خلاف في ذلك . فذلك مئة وأربع عشرة سورة . وعلى ما رويناه على أصحابنا وعن جماعة متقدمين مئة واثنتا عشرة سورة . وعدد جميع كلمات القرآن تسع وسبعون ألفاً ومئتان وسبع وسبعون كلمة . ويقال سبع وثمانون كلمة . ويقال تسع وثلاثون كلمة . وجميع حروفه ثلثمائة الف حرف وثلاثة وعشرون الفاً وخمسة عشر الفاً . وعدد نقطه مئة الف وست وخمسون الفاً وإحدي وثمانون نقطة .