Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 32-34)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثلاث آيات في الكوفي والمدنيين وآيتان فيما عداها ، آخر الاولى { الأنهار } . أخبر الله تعالى انه ( عز وجل ) اخترع السموات والارض وانشأهما بلا معين ولا مشير { وأنزل من السماء ماء } يعني غيثاً ومطراً فأخرج بذلك الماء الثمرات رزقاً لعباده ، وسخر لهم المراكب في البحر لتجري بأمر الله ، لانها تسير بالرياح والله تعالى المنشىء للرياح { وسخر لكم الأنهار } التي تجري بالمياه التي ينزلها من السماء ، ويجريها في الأودية ، وينصبّ منها في الانهار { وسخر لكم الشمس والقمر دائبين } معناه ذلل لكم الشمس والقمر ومهدهما لمنافعكم ، وتدبير الله لما سخره للعباد ظاهر لكل عاقل متأمل لا يمكنه الانصراف عنه إِلا على وجه المعاندة والمكابرة ، والدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه دأب يدأب دأباً ودؤوباً فهو دائب ، والمعنى دائبين ، لا يفتران ، في صلاح الخلق والنبات ، ومنافعهم { وسخر لكم الليل والنهار } أي ذللهما لكم ، ومهدهما لمنافعكم ، لتسكنوا في الليل ، وتبتغوا في النهار من فضله { وأتاكم من كل ما سألتموه } معناه ان الانسان قد يسأل الله العافية فيعطي ، ويسأله النجاة فيعطي ، ويسأله الغنى فيعطي ، ويسأله الملك فيعطي ، ويسأله الولد فيعطي ، ويسأله العز وتيسير الامور وشرح الصدر فيعطي ، فهذا في الجملة حاصل في الدعاء لله تعالى ما لم يكن فيه مفسدة في الدين عليه وعلى غيره ، فأين يذهب به مع هذه النعم التي لا تحصى كثرة ، عن الله الذي هو في كل حال يحتاج اليه ، وهو مظاهر بالنعم عليه . ودخلت ( من ) للتبعيض ، لانه لو كان وآتاكم كل ما سألتموه لاقتضى ان جميع ما يسأله العبد يعطيه الله ، والامر بخلافه ، لان ( من ) تنبىء عنه . وقال قوم : ليس من شيء الا وقد سأله بعض الناس ، والتقدير كل ما سألتموه قد أتى بعضكم . وقوله { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } معناه وان تروموا عدها بقصدكم اليه لا تحصونها لكثرتها ، ويروى عن طلق بن حبيب ، أنه قال : ان حق الله اثقل من ان تقوم به العباد ، وان نعم الله اكثر من ان تحصيها العباد ، ولكن ، اصبحوا تائبين ، وامسوا تائبين . وقوله { إن الإنسان لظلوم كفار } اخبار منه تعالى أن الانسان يعني من تقدم وصفه بالكفر كثير الظلم لنفسه ولغيره ، وكفور لنعم الله غير مؤد لشكرها . وقرىء { من كلّ ما سألتموه } بالتنوين ، قال الفراء : كأنهم ذهبوا الى أنا لم نسأله تعالى شمساً ولا قمراً ولا كثيراً من نعمه فكأنه قال : وآتاكم من كل ما لم سألتموه ، والاول أعجب اليّ ، لان المعنى آتاكم من كل ما سألتموه لو سألتموه ، كأنه قال وآتاكم من كل سؤلكم ، كما تقول : والله لأعطينك سؤلك ما بلغته مسألتك وان لم تسأل . قال المبرد : يريد ما يخطر ببالك ، ومن أضاف جعل ( ما ) في موضع نصب ، وهي بمعنى الذي . ومن نون جعلها نافية .