Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 1-2)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ أهل المدينة وعاصم { ربما } بالتخفيف . الباقون بالتشديد . وروي عن أبي عمرو : الوجهان . قال أبو علي أنشد أبو زيد : @ ماويّ يا ربتما غارة شعواء كاللذعة بالميسم @@ قال الازهري : الماوي الرحمة ، وأنشد ايضاً ابو زيد : @ يا صاحبا ربه إِنسان حسن يسأل عنك اليوم او تسأل عن @@ وقال قطرب , والسكري : ربّما ، وربَما ، وربتما , وربُّ ، ربَّ : ست لغات ، قال سيبويه ( رب ) حرف وتلحقها ( ما ) على وجهين : احدهما - ان تكون نكرة بمعنى شيء كقوله : @ ربما تجزع النفوس من الأمـ ـر له فرجة كحلّ العقال @@ فـ ( ما ) في هذا البيت إِسم ؛ لما يقدر من عود الذكر اليه من الصفة . والمعنى : رب شيء تكرهه النفوس ، واذا عاد اليه الهاء كان إِسماً ، ولم يجز أن يكون حرفاً . والضرب الآخر ان تدخل ( ما ) كافة نحو الآية ، ونحو قول الشاعر : @ ربما أوفيت في علم يرفعن ثوبي شمالات @@ والنحويون يسمون ( ما ) هذه كافة يريدون : أنها بدخولها كفت الحرف عن العمل الذي كان هيأها لدخولها على ما لم تكن تدخل عليه ، ألا ترى ان ( رب ) انما تدخل على الاسم المفرد ؛ نحو رب رجل يقول ذلك , وربه رجل يقول ، ولا تدخل على الفعل ، فلما دخلت ( ما ) عليها هيأتها للدخول على الفعل ، كما قال { ربما يود الذين كفروا } فوقع الفعل بعدها - في الآية - وهو على لفظ المضارع ، ووقع في قوله ( ربما أوفيت في علم ) على لفظ الماضي ، وهكذا ينبغي في القياس لأنها تدل على أمر قد وقع ومضى ، وإِنما وقع - في الآية - على لفظ المضارع ، لأنه حكاية لحال آتية كما ان قوله { وإِن ربك ليحكم بينهم } حكاية لحال آتية ايضاً ، ومن حكاية الحال قول القائل : @ جارية في رمضان الماضي تقطع الحديث بالايماض @@ ومن زعم ان الآية على اضمار ( كان ) وتقديره ربما كان يود ، فقد خرج عن قول سيبويه ، لأنهم لا يضمرون على مذهبه ( كان ) في قول القائل : عبد الله المقتول اي كن عبد الله المقتول . واما اضمار ( كان ) بعد إِن خيراً فخيراً ، فإِنما جاز ذلك , لإِقتضاء الحرف له ، فصار اقتضاء الحرف له كذكره ، فاما ما أنشده ابن حبيب ، فيهان ابن مسكين : @ لقد رزيت كعب بن عوف وربما فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمها @@ فان قوله ( فتى ) يحتمل ضروباً : احدها - ان يكون لما جرى ذكر ( رزيت ) استغنى بجري ذكره عن اعادته ، فكانه قال : ربما رزيت فتى ، فأنتصب فتى برزيت المضمرة ، كقوله { آلآن وقد عصيت } فاستغنى بذكر آمنت المعلوم عن اظهاره بعد ، ويجوز ان يكون انتصب بـ ( رزيت ) هذه المذكورة ، كأنه قال : لقد رزيت كعب بن عوف فتى وربما لم يكن يرضى اي رزيت فتى لم يكن يضام ، ويكون هذا الفصل وهو اجنبي بمنزله قوله : @ ابو أمه حي أبوه يقاربه @@ ويجوز ان يكون رفعا بفعل مضمر كانه قال ربما لم يرضى فتى كقوله : @ وقلما وصال على طول الصدود يدوم @@ ويجوز ان تكون ( ما ) نكرة بمنزلة شيء ويكون فتى وصفاً لها ، كأنه قال : رب شيء فتى لم يكن كذا ، فهذه الاوجه فيها ممكنة ، ويجوز في الآية ان تكون ( ما ) بمنزلة شيء و ( ودّ ) صفة له ، لان ( ما ) لعمومها تقع على كل شيء فيجوز ان يعنى بها الودّ كأنه رب ودّ يودّه الذين كفروا ، ويكون يودّ في هذا الوجه حكاية حال لانه لم يكن كقوله { فارجعنا نعمل صالحاً } وقوله { يا ليتنا نردّ ولا نكذب } واما من خفف ، فلانه حرف مضاعف والحروف المضاعفة قد تحذف ، وان لم يحذف غير المضاعف ، فمن المضاعف الذي حذف ( ان ، وان , ولكن ) قد حذف كل واحد من الحروف ، وليس كل المضاعف يحذف ، لاني لا أعلم الحذف في ( ثم ) ، قال الهذلي : @ ازهير إِنْ يشب القذال فانني رب هيضل لجب لففت بهيضل @@ واما دخول التاء في ( ربتما ) فان من الحروف ما يدخل عليه حرف التأنيث نحو ( ثمَّ , وثمّت ، ولا ، ولات ) قال الشاعر : @ ثمت لا يحزونني غير ذالكم ولكن سيحزنني المليك فيعقبا @@ فلذلك الحق التاء في قوله " ربتما " وقال المبرد : قال الكسائي : العرب لا تكاد توقع ( رب ) على أمر مستقبل ؛ وهذا قليل في كلامهم ، وإِنما المعنى عندهم ان يوقعوها على الماضي , كقولهم : ربما فعلت ذلك ، وربما جاءني فلان . وإِنما جاء هذا في القرآن ، على ما جاء في التفسير ، ان ذلك يكون يوم القيامة . وإِنما جاز هذا ، لأن كل شيء من أمر الله خاصة فإِنه وإِن لم يكن وقع بعد ، فهو كالماضي الذي قد كان ، لأن وعده آت لا محالة , وعلى هذا عامة القرآن ، نحو قوله { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض } وقوله { وسيق الذين اتقوا } { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } ومع هذا يحسن ان يقال - في الكلام - اذا رأيت الرجل يفعل ما يشاء ، تخاف عليه , ربما يندم ، وربما يتمنى ان لا تكون فعلت ، قال : وهذا كلام عربي حسن , ومثله قال الفراء والمبرد وغيرهم . فان قيل لم قال { ربما يود الذين كفروا } ورب للتقليل ؟ قلنا عنه جوابان : احدهما - انه شغلهم العذاب عن تمني ذلك الا في القليل . والثاني - انه أبلغ في التهديد كما تقول : ربما ندمت على هذا ، وأنت تعلم أنه يندم ندماً طويلاً ، أي يكفيك قليل الندم ، فكيف كثيره . فان قيل : لم قال { تلك آيات الكتاب وقرآن } والكتاب هو القرآن ؟ ولم أضاف الآيات الى الكتاب ، وهي القرآن , وهل هذا إِلا اضافة الشيء الى نفسه ؟ ! قلنا : إِنما وصفه بالكتاب والقرآن , لإِختلاف اللفظين ، وما فيهما من الفائدتين وإِن كانا لموصوف واحد ، لأن وصفه بالكتاب يفيد انه مما يكتب ويدوّن ، والقرآن يفيد أنه مما يؤلف ويجمع بعض حروفه الى بعض قال الشاعر : @ الى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم @@ وقال مجاهد وقتادة : المراد بالكتاب : ما كان قبل القرآن من التوراة والانجيل ، فعلى هذا سقط السؤال : فأما إِضافة الشيء الى نفسه ، فقد بينا الوجه فيما مضى فيه ، وانه يجري مجرى قولهم مسجد الجامع وصلاة الظهر ويوم الجمعة . وقوله تعالى { لحق اليقين } وهو مستعمل مشهور وبينا الوجه فيه ، ووصف القرآن بانه مبين لانه يظهر المعنى للنفس , والبيان ظهور المعنى للنفس بما يميزه من غيره ، لان معنى إِبانته منه فصل منه ، فاذا ظهر النقيضان في معنى الصفة فقد بانت وفهمت . و ( الود ) التمنى يقال : وددته اذا تمنيته ، ووددته اذا أحببته أود فهيما جميعاً ودَّاً . وقال الحسن : اذا رأى المشركون المؤمنين دخلوا الجنة تمنوا أنهم كانوا مسلمين ، وقال مجاهد : اذا رأى المشركون المسلمين يغفر لهم ويخرجون من النار يودون لو كانوا مسلمين .