Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 61-63)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ نافع { مفرطون } بكسر الراء والتخفيف ، من الافراط في الشيء اي الاسراف ، بمعنى انهم مسرفون . وقرأ ابو جعفر مثل ذلك بالكسر غير انه شدد الراء من التفريط في الواجب . وقرأ الباقون بفتح الراء والتخفيف ، ومعناه انهم متروكون في النار منسيون فيها - في قول قتادة ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك - وقال الحسن وقتادة - في رواية اخرى - ان المعنى انهم مقدمون بالاعجال الى النار ، وهو من قول العرب : افرطنا فلان في طلب الماء ، فهو مفرط اذا قدم لطلبه ، وفرط فهو فارط اذا تقدم لطلبه ، وجمعه فرّاط ، قال القطامي : @ واستعجلونا وكانوا من صحابتنا كما تعجَّل فرّاطٌ لورّاد @@ ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم " انا فرطكم على الحوض " اي متقدمكم وسابقكم حتى تردوه . ومنه يقال في الصلاة على الصبي الميت : اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " انا والنبيون فرّاط العاصين " اي المذنبين ، والتأويل الاول من قول العرب : ما أفرطت ورائي احداً اي ما خلفت ولا تركت . والمعنى يرجع الى التقدم اي ما تقدمت احداً ورائي . اخبر الله تعالى انه لو كان ممن يؤاخذ الكفار والعصاة بذنوبهم ، ويعاجلهم بعقوباتهم واستحقاق جناياتهم وظلمهم { لما ترك } على وجه الارض احداً ممن يستحق ذلك من الظالمين . وانما يؤخرهم تفضلاً منه ليراجعوا التوبة ، او لما في ذلك من المصلحة لباقي المكلفين والاعتبار بهم ، فلا تغتروا بالامهال ، انكم مثلهم في استحقاق العقاب على ظلمكم . وقيل في وجه تعميمهم بالهلاك مع ان فيهم مؤمنين قولان : احدهما - ان الاهلاك وان عمهم فهو عذاب الظالم دون المؤمن ، لان المؤمن يعوض عليه . الثاني - ان يكون ذلك خاصة . والتقدير ما ترك عليها من دابة من اهل الظلم . وقيل ان المعنى أنه لو هلك الآباء بكفرهم لم يوجد الابناء . وقوله { ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى } يعني الاجل الذي قدره لموتهم وهلاكهم ، فاذا جاء ذلك الاجل ، لا يتقدمون عليه لحظة ولا يتأخرون . وقوله { عليها } يعني على الارض لدلالة قوله { ما ترك عليها من دابة } اي دابة عليها لأنها تدب على الأرض . وقوله { يجعلون لله ما يكرهون } يعني يضيفون الى الله البنات مع كراهية ذلك لنفوسهم { وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى } فقول ( ان ) بدل من الكذب ، وموضعه النصب . وقيل في معناه قولان : احدهما - قال الحسن : فيما حكاه الزجاج : ان لهم الجزاء الحسنى . الثاني - قال مجاهد : ان لهم البنين مع جعلهم لله البنات اللاتي يكرهونهنّ . ثم قال تعالى { لا جرم أن لهم النار } ومعناه حقّاً أن لهم النار ، في اقوال المفسرين . وقيل : معناه لا بد ان لهم النار ، فجرم على هذا اسم ، كأنه قال : قطع ان لهم النار وقال بعضهم { جرم } فعل ماض و ( لا ) ردّ لكلام متقدم ، فكأنه قيل : قطع الحق أن لهم النار . وقيل : وجب قطعاً ان لهم النار . وقيل : كسب فعلهم أن لهم النار ، وانهم مفرطون مقدمون ومعجلون الى النار . وقال الخليل : { لا جرم } لا يكون الا جواباً ، تقول : فعلوا كذا وكذا ، فيقال : لا جرم انهم سيندمون قال الشاعر : @ ولقد طعنت ابا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها ان يغضبوا @@ اي بعثتهم على ذلك ومثله { لا يجرمنكم شقاقي } اي لا يبعثكم عداوتي { على أن يصيبكم } ومثله { لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا } ثم اقسم تعالى ، فقال { لقد أرسلنا } يعني رسلا إِلى امم من قبلك يا محمد { فزين لهم الشيطان أعمالهم } يعني كفرهم وضلالهم وتكذيب رسل الله زينه الشيطان لهم . وقوله { فهو وليهم اليوم } قيل في معناه قولان : احدهما - انه ناصرهم في الدنيا ، لأنه يتولى اغواءهم وسبب هلاكهم { ولهم عذاب أليم } يوم القيامة . الثاني - انه يوم القيامة وليّهم ، لأنه لا يمكنه ان يتولى صرف المكروه عن نفسه ، فكيف يتولى صرفه عنهم . ثم اخبر تعالى ان لهم عنده عذاباً أليماً موجعاً مؤلماً جزاء على كفرهم ومعاصيهم .