Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 79-81)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ نافع وابن كثير وابو عمر { ويوم ظعنكم } بتحريك العين . الباقون بتسكينها وهما لغتان ، مثل نهر ونهر ، وسمع وسمع . وقرأ ابن عامر وحمزة وخلف ويعقوب { ألم تروا } بالتاء على الخطاب . الباقون بالياء على وجه التذكير لما تقدم ذكره ، والتنبيه لهم . يقول الله تعالى منبهاً لخلقه على وجه الاستدلال على وحدانيته { ألم يروا } يعني هؤلاء الكفار الجاحدين لربوبيته { إلى الطير } قد سخرها الله { في جوّ السماء } وسط الهواء ، حتى مكنها ان تتصرف في جوّ السماء على حسب إِرادتها ، ويعلمون أن لها مسخّراً ومدبّراً ، لا يشبه الاشياء ، لان من المعلوم ان احداً من البشر لا يقدر على مثل ذلك ، ولا يتأتى منه ذلك ، وأن من مكّن الطير من تلك الحال قد كان يجوز ان يمكنها منه ابتداء واختراعاً ، من غير اسباب ادّت الى أن صارت على تلك الأوصاف ، لأنه قادر لا يعجزه شيء ، ولا يتعذر عليه شيء ، وأنه إِنما خلق ذلك ليعتبروا به وينظروا فيه ، فيصلوا به الى الثواب الذي عرّضهم له ، ولو كان فعل ذلك لمجرد الانعام به على العبد كان حسناً ، لكن ضم الى ذلك التعريض للثواب على ما قلناه . وانما قال { ما يمسكهنّ إلا الله } وهي تستمسك بالقدرة التي اعطاها الله مبالغة في الصفة بأن الله يمكّنها بالهواء الذي تتصرف فيه ، لأنه ظاهر انها بالهواء تستمسك عن السقوط ، وأن الغرض من ذلك تسخير ما سخر لها . ثم قال { إن في } خلق { ذلك } ، على ما وصفه ، لدلالات لقوم يصدقون بتوحيد الله ، ويصدقون انبياءه وخص المؤمنون بذلك لامرين : احدهما - من حيث هم المنتفعون بها دون غيرهم . الثاني - لانهم يدلّلون بها على مخالفي التوحيد ، وهي دلالة من الله للجميع ، والجو - بالفتح - ما بين السماء والارض ، قال الانصاري : @ ويل امها في هواء الجوّ طالبة ولا كهذا الذي في الارض مطلوب @@ ثم عدد في الآية الأخرى نعمه ، فقال : { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } أي مواضع تسكنون فيها { وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها } اي يخف عليكم حملها { يوم ظعنكم } أي ارتحالكم من مكان الى مكان { ويوم إقامتكم } يعني اليوم الذي تنزلون موضعاً تقيمون فيه ، ثم قال { وجعل لكم من أصوافها } من أصواف الضأن وأوبار الابل واشعار المعز { أثاثاً } يعنى متاع الكثير ، من قولهم شعر أثيث اي كثير ، وأثَّ النبت يئث أثَّاً إِذ كثر والْتفّ ، وكذلك الشعر ، ولا واحد للاثاث ، كما لا واحد للمتاع ، قال الشاعر : @ اهاجتك الظعائن يوم بانوا بذي الرِّئْيِ الجميل من الاثاث @@ وقوله { إِلى حين } معناه . الى وقت يهلك فيه ، ثم قال { والله جعل لكم مما خلق ظلالاً } يعني من الشجر وغيره ، ما تسكنون فيه من أذى الحر والبرد { وجعل لكم سرابيل } يعني قمصاً من القطن والكنان - في قول قتادة - واحدها سربال ، ويقال للدروع سرابيل ، وهي التي تقي البأس ، وقال الزجاج كل ما لبسته فهو سربال . وقوله { تقيكم الحر } اي تمنعكم من الحرّ ، وخص الحر بذلك مع ان وقايتها للبرد اكثر لامرين : احدهما - إِن الذين خوطبوا بذلك أهل حرّ في بلادهم فحاجتهم الى ما يقي الحر أشدّ في قول عطاء . الثاني - انه ترك ذلك لانه معلوم ، كما قال الشاعر : @ وما ادري اذا يمت وجهاً اريد الخير ايهما يليني @@ فكنى عن الشر ، ولم يذكره ، لانه مدلول عليه ذكره الفراء . وقوله { كذلك يتم نعمته عليكم } اي كما انعم عليكم بهذه النعم ينعم عليكم بجميع ما تحتاجون اليه ، وهو إِتمام نعمه في الدنيا ، وبين انه فعل ذلك لتسلموا وتؤمنوا . وقرأ ابن عامر بفتح التاء ، والمعنى لتسلموا بتلك الدروع من الجراحات .