Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 106-106)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ ابن عامر ، الا الداحوني عن هشام " ما ننسخ " بضم النون وكسر السين . الباقون يفتحها . وقرأ ابن كثير وابو عمرو " ننساها " بفتح النون ، والسين ، واثبات الهمزة الساكنة بعد السين . الباقون بضم النون ، وخفض السين بلا همزة . اللغة : النسخ والبدل والخلف نظائر . يقال : نسخ نسخاً ، وانتسخ انتساخاً ، واستنسخ استنساخاً ، وتناسخوا تناسخاً ، وناسخ مناسخة . قال ابن دريد : كل شيء خلف شيئاً ، فقد انتسخه ، ونسخت الشمس الظل ، وانتسخ الشيب الشباب . وقال صاحب العين : النسخ ان تزيل امراً كان من قبل يعمل به ، ثم تنسخه بحادث غيره . كالآية نزل فيها امر ، ثم يخفف الله عن العباد بنسخها بآية اخرى ، فالآية الاولى منسوخة ، والثانية ناسخة . وتناسخ الورثة أن تموت ورثة بعد ورثة واصل الميراث قائم لم يقسم ، وكذلك تناسخ الازمنة من القرون الماضية . واصل الباب : الابدال من الشيء غيره . وقال الرماني : النسخ الرفع ، لشيء قد كان يلزمه العمل به إلى بدل ، وذلك كنسخ الشمس بالظل لانه يصير بدلا منها في مكانها وهذا ليس بصحيح ، لانه ينتقض بمن تلزمه الصلاة قائما ثم يعجز عن القيام ، فانه يسقط عنه القيام لعجزه . ولا يسمى العجز ناسخاً ، ولا القيام منسوخاً ، وينتقض بمن يستبيح بحكم العقل عند من قال بالاباحة ، فاذا ورد الشرع يحظره ، لا يقال الشرع نسخ حكم العقل ، ولا حكم العقل يوصف بانه منسوخ ، فاذاً الاولى في ذلك ما ذكرناه في اول الكتاب : وهو ان حقيقة كل دليل شرعي دلّ على ان مثل الحكم الثابت بالنص الاول غير ثابت فيما بعد على وجه لولاه لكان ثابتاً بالنص الاول مع تراخيه عنه ، فاذا ثبت ذلك ، فالنسخ في الشرع : على ثلاثة اقسام . نسخ الحكم دون اللفظ ، ونسخ اللفظ دون الحكم ، ونسخهما معاً . فالاول كقوله : { يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبون مائتين } إلى قوله : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبون مائتين } فكان الفرض الاول وجوب ثبات الواحد للعشرة ، فنسخ بثبوت الواحد للاثنين ، وغير ذلك من الاي المنسوخ ، حكمها ، وتلاوتها ثابتة ، كآية العدة ، واية حبس من يأتي بالفاحشة ، وغير ذلك والثاني كآية الرجم . قيل انها كانت منزلة فرفع لفظها وبقي حكمها . والثالث هو مجوّز وان لم يقطع بانه كان . وقد روي عن ابي بكر انه كان يقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر المعنى : واختلفوا في كيفية النسخ على أربعة اوجه : قال قوم : يجوز نسخ الحكم والتلاوة من غير افراد واحد منهما عن الآخر . وقال آخرون : يجوز نسخ الحكم دون التلاوة . وقال آخرون : يجوز نسخ القرآن من اللوح المحفوظ ، كما ينسخ الكتاب من كتاب قبله . وقالت فرقة رابعة : يجوز نسخ التلاوة وحدها ، والحكم وحده ، ونسخهما معاً وهو الصحيح وقد دّللنا على ذلك ، وافسدنا سائر الاقسام في العدة في اصول الفقه . وذلك ان سبيل النسخ سبيل سائر ما تعبد الله تعالى به ، وشرّعه على حسب ما يعلم من المصلحة فيه فاذا زال الوقت الذي تكون المصلحة مقرونة به ، زال بزواله . وذلك مشروط بما في المعلوم من المصلحة به ، وهذا القدر كاف في ابطال قول من ابى النسخ جملة واستيفاؤه في الموضع الذي ذكرناه . وقد انكر قوم جواز نسخ القرآن ، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ، وقد جاءت اخبار متظافرة بانه كانت اشياء في القرآن نسخت تلاوتها ، فمنها ما روي عن ابي موسى : انهم كانوا يقرؤون لو ان لابن آدم واديين من مال لابتغى اليهما ثالث ، لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب . ويتوب الله على من تاب . ثم رفع . وروي عن قتادة قال : حدثنا انس بن مالك أن السبعين من الانصار الذين قتلوا ببئر معونة : قرأنا فيهم كتابا بلغوا عنّا قومنا انا لقينا ربنا ، فرضي عنا وارضانا ، ثم ان ذلك رفع . ومنها الشيخ والشيخة وهي مشهورة ـ . ومنها ما روي عن ابى بكر انه قال : كنا نقرأ : لا ترغبوا عن آبائكم فانه كفر . ومنها ما حكي : ان سورة الاحزاب كانت تعادل سورة البقرة في الطول وغير ذلك من الاخبار المشهورة بين اهل النقل . والخبر على ضربين : احدهما يتضمن معنى الامر بالمعروف فما هذا حكمه يجوز دخول النسخ فيه . والآخر يتضمن الاخبار عن صفة الامر . لا يجوز تغييره في نفسه ، ولا يجوز ان يتغير من حسن إلى قبح أو قبح إلى حسن ، فان ذلك لا يجوز دخول النسخ فيه . وقد بينا شرح ذلك في العدة . والافعال على ثلاثة اقسام احدها لا يكون إلا حسناً . وثانيها لا يكون إلا قبيحاً . وثالثها يحتمل الحسن والقبح بحسب ما يقع عليه من الوجوه : فالاول كارادة الافعال الواجبة ، أو المندوبة التي لا يجوز تغيرّها ، كشكر المنعم ، ورد الوديعة ، والاحسان الخالص وغير ذلك . والثاني كارادة القبيح ، وفعل الجهل . والثالث كسائر الافعال التي تقع على وجه ، فتكون حسنة ، وعلى آخر فتصير قبيحة . فالاول ، والثاني لا يجوز فيه النسخ . والثالث يجوز فيه النسخ . ومن قرأ ننسخ بفتح النون فمن نسخت الكتاب . فانا ناسخ ، والكتاب منسوخ . ومن قراء بضم النون ، وكسر السين فانه يحتمل فيه امرين : احدهما قال ابو عبيدة : ما ننسخك يا محمد . يقال نسخت الكتاب ، وانسخه غيري . والاخر نسخته جعلته ذا نسخ . كما قال قوم للحجاج وقد قتل رجلا ـ : أقبرنا فلاناً أي جعله ذا قبر يقال قبرت زيداً : اذا دفنته واقبره الله : جعله ذا قبر كما قال : { ثم أماته فأقبره } وقوله { أو ننسأها } فالنسء التأخير ونقيضه التقديم ، يقال انسأت الابل عن الحوض أنسأها نسأ : اذا اخرتها عنه ، وانتسأت عن الشيء ـ : اذا تباعدت عنه انتساء ونسأت الابل في ظمئها فانا أنسؤها نسأ : اذا زدتها في ظمئها يوماً أو يومين ، أو اكثر من ذلك . وظمؤها : منعها الماء . ونسأت الماشية تنسأ نسأ : اذا سمنت . وكل سمين ناسىء ، تأويلها ان جلودها نسأت اي تأخرت عن عظامها ، قاله الزجاج ، وقال غيره : انما قيل ذلك لأنها تأخرت في المرعى حتى سمنت ، ونسأت المرأة تنسىء نسأ اذا تأخر حيضها عن وقته ، ورجي حملها ، ويقال : انسأت فلاناً البيع ونسأ الله في اجل فلان ، وانسأ الله اجله اذا أخر اجله . والنسيء تأخر الشيء ، ودفعه عن وقته ، ومنه قوله تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر } وهو ما كانت العرب تؤخر من الشهر الحرام في الجاهلية . ونسأت اللبن أنسؤه نسأ اذا اخذت حليباً وصببت عليه الماء ، واسم ذلك : النسيء ، والنسيء هذا سمي بذلك ، لأنه اذا خالطه الماء أخر بعض اجزاء اللبن عن بعض قال الشاعر : @ سقوني النسء ثم تكنفوني عداة الله من كذب وزور @@ ويقال للعصاة المنساة ، لانها ينسأ بها ، أي يؤخر بها ما يساق عن مكانه ، ويدفع بها الانسان عن نفسه ونسأت ناقتي اذا رفعتها في السير واصل الباب التأخير . المعنى : وقال الحسن في قوله : { ما ننسخ من آية أو ننسها } ان نبيكم ( صلى الله عليه وسلم ) أقرىء قرآنا ثم نسيه ، فلم يكن شيئاً . ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرأونه . وقال ابن عباس { ما ننسخ من آية } أي ما نبدل من آية ، ومن قرأ ننسأها بالهمز فان معناه نؤخرها من قولك هذا الامر أنسؤه نساء اذا أخرته وبعته بنسأ أي بتأخير ، وهو قول عطا وابن ابي نجيح ، ومجاهد ، وعطية وعبيد بن عمير . وعلى هذا يحتمل نؤخرها امرين . احدهما فلا ننزلها وننزل بدلا منها ما يقوم مقامها في المصلحة ، أو ما يكون اصلح للعباد منها . وهذا ضعيف لأنه لا فائدة في تأخير ما لا يعرفه العباد ، ولا علموه ولا سمعوه . والثاني نؤخرها إلى وقت ثان ، فنأتي بدلا منها في الوقت المقدم ، بما يقوم مقامها . فاما من حمل ذلك ، على معنى يرجع إلى النسخ ، فليس يحسن لأنه يصير تقديرها ، ما ننسخ من اية او ننسخها . وهذا لا يجوز . ومعنى قوله : { نأت بخير منها أو مثلها } . المعنى : قيل فيه قولان : احدهما قال ابن عباس نأت بخير منها لكم في التسهيل والتيسير ، كالامر بالقتال الذي سهل على المسلمين بدلالة قوله { الآن خفف الله عنكم } او مثلها كالعبادة بالتوجه إلى الكعبة بعد ما كان إلى بيت المقدس . والوجه الثاني بخير منها في الوقت الثاني ، اي هي لكم خير من الاولى في باب المصلحة ، او مثلها في ذلك . وهو قول الحسن وهذا الوجه اقوى ، وتقديره كأن الآية الاولى في الوقت الثاني في الدعاء إلى الطاعة ، والزجر عن المعصية ، مثل الآية الاولى في وقتها . فيكون اللطف بالثانية ، كاللطف بالاولى الا انه في الوقت الثاني يسهل بها دون الاولى . وقال ابو عبيدة معنى " ننساها " اي نمضيها فلا ننسخها قال طرفة : @ امون كألواح الاران نسأتها على لاحب كانه ظهر برجد @@ يعني امضيتها ومن قرأ " ننسها " بضم النون ، وكسر السين يحتمل امرين : احدهما ان يكون مأخوذا من النسيان إلا انه لا يجوز أن يكون ذلك من النبي ( صلى الله عليه وسلم ) لأنه لا يجوز ذلك من حيث ينفر عنه ، ويجوز ذلك على الأمة بان يؤمروا بترك قراءتها ، وينسونها على طول الايام . ويجوز ان ينسيهم الله ( تعالى ) ذلك وان كانوا جمعا كثيرا ، ويكون ذلك معجزا بمعنى الترك من قوله : { نسوا الله فنسيهم } والاول عن قتادة ، والثاني عن ابن عباس وقال معناه : نتركها لا نبدلها . وقال الزجاج : ننسها بمعنى نتركها خطأ ، انما يقال : نسيت بمعنى تركت ، ولا يقال انسيت بمعنى تركت وانما معنى ننساها نتركها ، اي ان نامركم بتركها . قال الرماني : انما فسر المفسرون على ما يؤول اليه المعنى لانه اذا امر بتركها ، فقد تركها . فان قيل : اذا كان نسخ الاية رفعها ، وتركها فما معنى ذلك إلا ان يترك ، ولم جمع بينهما ؟ قيل : ليس معنى تركها الا ان يترك ، وقد غلط الزجاج في توهمه ذلك ، وانما معناه اقرارها ، فلا ترفع ، كما قال ابن عباس : يتركها ، ولا نبدلها وانما قال : { ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير } تنبيهاً على انه يقدر على ايات وسور مثل القرآن ينسخ بها امره لنا فيه بما امرنا ، فيقوم في النفع مقام المنسوخ . او اكثر . وقال بعضهم : معنى " أو " في الآية الواو ، كان قال : ما ننسخ من ايه وننساها نات بخير منها ، فعلى هذا زالت الشبهة . فان قيل : اي تعلق بين هذه الآية وبين التي قبلها ؟ قلنا : لما قال في الآية الاولى { ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم } دل في هذه الآية على انه جل وعز ، لا يخليهم من إنزال خير اليهم ، خلاف ما يود اعداؤه لهم : فان قيل : هل يجوز نسخ القرآن بالسنة أم لا ؟ قلنا فيه خلاف بين الفقهاء ، ذكرناه في اصول الفقه ، وبين اصحابنا ايضاً فيه خلاف ، إلا ان يقوى في النفس جواز ذلك . وقد ذكرنا ادلة الفريقين ، والشبه فيها في اصول الفقه لا يحتمل ذكرها هذا المكان . وانما اخرنا ذلك ، لأن تلاوة القرآن ، والعمل بما فيه تابع للمصلحة ، ولا يمتنع ان تتغير المصلحة ، تارة في التلاوة فتنسخ ، وتارة في الحكم فينسخ ، وتارة فيهما فينسخان . وكذلك لا يمتنع ان تكون المصلحة في ان تنسخ ، تارة بقرآن ، وتارة بالسنة المقطوع بها . فذلك موقوف على الادلة . وقوله : { نأت بخير منها } لا يدل على ان السنة خير من القرآن ، لأن المراد بذلك نأت بخير منها من باب المصلحة . على ان قوله : { نأت بخير منها } فمن اين ان ذلك الخبر يكون ناسخاً . فلا متعلق في الآية يمنع من ذلك . والاولى جوازه . على ان هذا وان كان جائزاً ، فعندنا انه لم يقع ، لانه لا شيء من ظواهر القرآن يمكن ان يدعى انه منسوخ بالسنة اجماعاً ، ولا بدليل يوجب العلم . واعيان المسائل فيها خلاف ، نذكر ما عندنا فيه اذا مررنا بتاويل ذلك . واما ما روي عن ابن سعيد ابن المسيب من انه كان يقرأ " أو تنسها " بالتاء المعجمة من فوق ، وفتح السين فشاذ ، لا نلتفت اليه ، لانا قد بينا ان النبي " صلى الله عليه وسلم " لا يجوز عليه ان ينسى شيئاً من وحي الله . وكذلك ما روي عن ابي رحا العطاردي " ننسها " بضم النون الاولى ، وفتح الاخرى ، وتشديد السين ذكرها شاذة . وفي الآية دليل على ان القرآن غير الله ، وان الله هو المحدث له ، والقادر عليه ، لأن ما كان بعضه خيراً من بعض ، او شراً من بعض ، فهو غير الله لا محالة . وفيها دليل ان الله قادر عليه ، وما كان داخلا تحت القدرة ، فهو فعل ، والفعل لا يكون إلا محدثاً ، ولانه لو كان قديماً لما صح وجود النسخ فيه ، لأنه اذا كان الجميع حاصلا فيما لم يزل ، فليس بعضه بان يكون ناسخاً ، والاخر منسوخاً باولى من العكس . فان قيل : لم قال : { ألم تعلم أن الله } او ما كان النبي " صلى الله عليه وسلم " عالماً بان الله على كل شيء قدير ؟ قلنا عنه جوابان : احدهما ان معنى قوله : { ألم تعلم } اما علمت ؟ والثاني انه خرج ذلك مخرج التقرير ، كما قال : { أأنت قلت للناس } وفيه جواب ثالث انه خطاب للنبي " صلى الله عليه وسلم " والمراد امته ، بدلالة قوله بعد ذلك : { وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير } .