Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 140-140)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر { أم تقولون } بالتاء . ووافقهم ابن عامر ورويس . الباقون بالياء . المعنى : من قرأ بالياء جعله متصلا بما قبله من الاستفهام كأنه قال : اتحاجوننا في الله أم تقولون ان الانبياء كانوا على دينكم . والتقدير بأي الحجتين متعلقون في امرنا : أبا لتوحيد ، فنحن موحدون ، أم باتباع دين الانبياء ، فنحن لذلك متبعون . ومن قرأ بالياء ، فالوجه فيه انه عدل إلى حجاج آخر عن الحجاج الاول . كأنه قال : بل أتقولون ان الانبياء من قبل ان تنزل التوراة والانجيل كانوا هودا أو نصارى . ويكون قد اعرض عن خطابهم استجهالا لهم بما كان منهم ، كما يقبل العالم على من بحضرته بعد ارتكاب مخاطبه جهالة شنعة : فيقول : قد قامت عليه الحجة أم يقول بابطال النظر المؤدي إلى المعرفة . وقد انكر الطبري القراءة بالياء ، وقال هي شاذة لا تجوز القراءة بها وليس الامر على ما ظن بل وجهها ما بيناه . ومعنى الآية : الاحتجاج عليهم في قولهم : { لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى } فقيل لهم : كيف ذلك ، والامر بخلافه من وجهين : احدهما ما اخبر به نبينا عليه السلام مع ظهور المعجز الدال على صدقه . والآخر ما في التوراة والانجيل من أنهم كانوا على الحنيفية ، لان عندهم اسم اليهودية يقع على من تمسك بشريعة التوراة والنصرانية اسم لمن تمسك بشريعة الانجيل . وقد قال الله تعالى : { وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده } وقيل ايضاً ان معناه التوبيخ لاهل الكتاب بادعائهم عليهم خلاف الاسلام بغير حجة ولا برهان . وقوله : { أأنتم أعلم أم الله } صورته صورة الاستفهام والمراد به التوبيخ ومثله قوله : { أأنتم أشد خلقاً أم السماء } اللغة : والاعلم والاعرف والادرى بمعنى واحد . والاظلم والاجور والاعتى نظائر ، فان قيل لم قال : { أأنتم أعلم أم الله } وقد كانوا يعلمونه وكتموه ، وانما ظاهر هذا الخطاب لمن لا يعلم ، قلنا من قال : انهم كانوا على ظن وتوهم : فوجه الكلام على قوله واضح . ومن قال : كانوا يعلمون ذلك وانما كانوا يجحدونه يقول : معناه ان منزلتكم منزلة المعترض على ما يعلم ان الله اخبر به فما ينفعه ذلك مع إقراره بان الله اعلم منه ، وانه لا يخفى عليه شيء ، لان ما دل على انه اعلم هو الدال على انه لا يخفى عليه شيء ، وهو انه عالم لنفسه ويعلم جميع المعلومات . وقوله تعالى : { ومن أظلم ممن كتم } قيل في ( من ) في قوله : { من الله } ثلاثة اقوال : احدها انها بمعنى ابتداء الغاية ، لان الله تعالى ابتدأ الشهادة في التوراة والانجيل بصحة النبوة لمحمد صلى الله عليه وآله ، ويكون ابتداء الشهادة بأن الانبياء كانوا على الحنيفية ، فهذه شهادة من الله عندهم . والثاني كتمها من عباد الله . والثالث ما حكاه البلخي : انه بمنزلة من أظلم ممن يجور على الفقير الضعيف من السلطان الغني القوي : أي فلا احد أظلم منه . والمعنى انه يلزمكم ان لا أحد أظلم من الله ، تعالى عن ذلك إذ ما يكتم ما فيه الغرور للعباد ، ليوقعهم في الضلال وهو الغني بنفسه الذي لا يجوز أن يلحقه المنافع والمضار جل ثناؤه وتقدست اسماؤه ، وهذا الذي ذكره يلزم اليهود والجهال . كما حكى الله تعالى عنهم { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا } والشهادة التي كتموها قيل فيها قولان : احدهما قال مجاهد والربيع وابن ابي نجيح : انهم كتموا الشهادة بانهم كانوا على الاسلام . والثاني قال الحسن وقتادة وابن زيد واختاره الجبائي : انهم كتموا الشهادة بالبشارة التي عندهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) . فان قيل اذا كان الذي كتموه امر محمد صلى الله عليه وآله فكيف يتصل بما قبله : قيل قال الحسن : كتموا محمداً صلى الله عليه وآله ودينه لأن في دينه ان ابراهيم كان مسلما ولم يك من المشركين . والاحتجاج عليهم : { أأنتم أعلم أم الله } على وجه الالزام لهم بالجهالة كانه قيل : اذا زعمتم أن هؤلاء كانوا يهوداً أو نصارى ، وقد اخبر الله بخلاف ذلك عنهم فقد لزمكم أن تكونوا أعلم من الله تعالى ، وهذا غاية الخزي لمن بلغه . وقوله تعالى : { وما الله بغافل عما تعملون } فالغفلة والسهو والسنة نظائر ومعنى الآية يحتمل امرين : احدهما ليس ألله بساه عن كتمان الشهادة التي لزمكم القيام بها لله تعالى . الثاني ان يكون على عمومه والمعنى : أنه لا يخفى عليه شيء من المعلومات لا صغيرها ، ولا كبيرها فكونوا على حذر من الجزاء على السيئات بما تستحقونه من العقاب ، وكتم واخفى واسر معناها واحد والبينة والحجة واحد .