Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 143-143)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم { لرؤوف } على وزن لرعوف . الباقون { لرؤف } على وزن ( فعُل ) . المعنى : اخبر الله تعالى أنه جعل أمة نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وسطاً : أي سماها بذلك وحكم لها به . والوسط : العدل . وقيل الخيار ، ومعناهما واحد : وقيل : انه مأخوذ من المكان الذي تعدل المسافة منه الى اطرافه . وقيل : بل أخذ الوسط من التوسط بين المقصر والمغالي ، فالحق معه . وقال مؤرج : اي وسط بين الناس وبين انبيائهم وقال زهير : @ هم وسط يرضى الانام بحكمهم اذا نزلت احدى الليالي بمعظم @@ وروي عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انه قال : أمة وسطاً : عدلا . وهو قول مجاهد ، وقتادة ، والربيع ، وابن عباس ، واكثر المفسرين . وقال صاحب العين : الوسط من الناس وغيرهم ، ومن كل شيء أعدله ، وافضله وقيل الواسط والوسط بمعنى واحد ، كما قيل يابس ويبس بمعنى واحد . قال تعالى { في البحر يبساً } والوسط - بتسكين السين - الموضع . والوسط - بالتحريك - لما بين طرفي كل شيء ، ويسمى واسط الرحل بين القادمة والاخرة ، وكذلك واسطة القلادة . واصل الباب الوسط : العدل . وقولهم فلان من اوسطهم نسباً : اي تكلله الشرف من نواحيه . الاعراب : واللام الاولى في قوله : { لتكونوا شهداء على الناس } لام كي ، كأنه قال كي تكونوا ، واصلها لام الاضافة . واللام في قوله : { وإن كانت لكبيرة } لام تأكيد ، وهي تلزم أن المخففة من الثقيلة ، لئلا تلبس بأن التي بمعنى ما ، كقوله تعالى : { إن الكافرون إلا في غرور } وهي لام الابتداء أخرت الى الخبر في باب ( ان ) خاصة . واما اللام الثالثة في قوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } فلام الجحد ، واصلها لام الاضافة ، والفعل نصب باضمار ( أن ) ، ولا يظهر بعدها ( ان ) ، لان التأويل : ما كان الله مضيعاً ايمانكم ، فلما حمل معناه على التأويل ، حمل ، لفظه ايضاً على التأويل من غير تصريح باظهار ( ان ) . المعنى : فان قيل : باي شيء يشهدون على الناس ، قلنا فيه ثلاثة اقوال : احدها - ليشهدوا على الناس باعمالهم التي خالفوا فيها الحق في الدنيا وفي الآخرة كما قال : { وجيء بالنبيين والشهداء } وقال { يوم يقوم الأشهاد } قال ابن زيد : الاشهاد أربعة الملائكة ، والانبياء ، وامة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) والجوارح . كما قال : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } الثاني - يشهدون الانبياء على اممهم المكذبين بانهم بلّغوا . وجاز ذلك لاعلام النبي ( صلى الله عليه وسلم ) اياهم بذلك . الثالث - { لتكونوا شهداء على الناس } أي حجة عليهم فيما يشهدون ، كما أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شهيد بمعنى حجة في كلما اخبر به . والنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وحده كذلك . فأما الامة فجماعتها حجة دون كل واحد منها . واستدل البلخي ، والجبائي ، والرماني ، وابن الاخشاد ، وكثير من الفقهاء ، وغيرهم بهذه الآية على أن الاجماع حجة من حيث ان الله وصفهم بانهم عدول ، فاذا عدلهم الله تعالى ، لم يجز أن تكون شهادتهم مردودة - وقد بينا في اصول الفقه أنه لا دلالة فيها على ان الاجماع حجة - وجملته ان الله تعالى وصفهم بانهم عدول ، وبانهم شهداء وذلك يقتضي ان يكون كل واحد عدلا ، وشاهداً ، لان شهداء جمع شهيد ، وقد علمنا أن كل واحد من هذه الامة ليس بهذه الصفة ، فلم يجز أن يكون المراد ما قالوه ، على أن الامة إن أريد بها جميع الامة ، فقد بينا ان فيها كثيراً ممن يحكم بفسقه بل بكفره ، فلا يجوز حملها على الجميع . وان خصوها بالمؤمنين العدول ، لنا أن نخصها بجماعة ، كل واحد منهم موصوف بما وصفنا به جماعتهم : وهم الأئمة المعصومون من آل الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) على أنالو سلمنا ما قالوه من كونهم عدولا ، ينبغي أن نجنبهم ما يقدح في عدالتهم وهي الكبائر ، فأما الصغائر التي تقع مكفرة ، فلا تقدح في العدالة ، فلا ينبغي أن نمنع منها ، ومتى جوزنا عليهم الصغائر لم يمكنا أن نحتجّ باجماعهم ، لانه لا شيء أجمعوا عليه إلا ويجوز أن يكون صغيراً فلا يقدح في عدالتهم ، ولا يجب الاقتداء بهم فيه لكونه قبيحاً . وفي ذلك بطلان الاحتجاج باجماعهم . وكيف يجنبون الصغائر ، وحال شهادتهم ليس بأعظم من شهادة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ومع هذا يجوزون عليه الصغائر فهلا جاز مثل ذلك عليهم ، ولا تقدح في عدالتهم - كما لم تقدح في عدالة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ؟ قوله : { ويكون الرسول عليكم شهيداً } . قيل في معناه قولان : أحدهما - عليكم شهيداً بما يكون من اعمالكم . وقيل : يكون حجة عليكم . والثاني - يكون لكم شهيداً بأنكم قد صدقتم - يوم القيامة - فيما تشهدون به . وجعلوا ( على ) بمعنى اللام كما قال : { وما ذبح على النصب } اي للنصب . والتشبيه في قوله { وكذلك } وقع بما دل عليه الكلام في الآية التي قبلها : وهي قوله { يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فتقديره انعمنا عليكم بالعدالة كما انعمنا عليكم بالهداية والعامل في الكاف جعلنا ، كانه قيل : { من يشاء إلى صراط مستقيم } فقد انعمنا عليكم بذلك وجعلناكم أمة وسطاً فأنعمنا كذلك الانعام . إلا أن { جعلنا } يدل على انعمنا في هذا الكلام ، فلم نحتج الى حذفه معه في قوله تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } اي ما صرفناك عن القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم ، وحذف لدلالة الكلام عليه . وقوله { إلا لنعلم } قيل في معناه ثلاثة اقوال : اولها { إلا لنعلم } اي لنعلم حزبنا من النبي والمؤمنين ، كما يقول الملك فعلنا وفتحنا بمعنى فعل أولياؤنا ومن ذلك قيل : فتح عمر السواد وجبا الخراج وإن لم يتولّ ذلك بنفسه . الثاني - إلا ليحصل المعلوم موجوداً ، فقيل على هذا : إلا لنعلم ، لانه قبل وجود المعلوم لا يصح وصفه بانه عالم بوجوده . والثالث - إلا لنعاملكم معاملة المختبر الممتحن الذي كأنه لا يعلم أن العدل يوجب ذلك ، من حيث لو عاملهم بما يعلم انه يكون منهم كان ظلماً لهم . ويظهر ذلك قول القائل لمن انكر أن تكون النار تحرق الحطب : فليحضر النار والحطب لنعلم أتحرقه أم لا ، على جهة الانصاف في الخطاب ، لا على جهة الشك في الاحراق . وهذا الوجه اختاره ابن الاخشاد ، والرماني . وكان علي بن الحسين المرتضى الموسوي يقول في مثل ذلك وجهاً مليحاً : وهو ان قال : قوله لنعلم يقتضي حقيقة ان يعلم هو وغيره ولا يحصل علمه مع علم غيره إلا بعد حصول الاتّباع ، فاما قبل حصوله فانما يكون هو تعالى العالم وحده ، فصح حينئذ ظاهر الاية , وهذا وجه رابع ، وفيه قول خامس - وهو ان يعلموا انا نعلم ، لانه كان منهم من يعتقد ان الله لا يعلم الشيء حتى يكون على ان قوله : { لنعلم من يتبع الرسول } لا يدل على حدوث العلم ، لانه كان قبل ذلك عالماً بان الاتباع سيوجد ، او لا يوجد ، فان وجد كان عالماً بوجوده وان لم يتجدد له صفة . وانما يتجدد المعلوم ، لان العلم بان الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد . وانما يتغير عليه الاسم ، ويجري ذلك مجرى تغير الاسم على زمان بعينه ، بان يوصف بانّه غد قبل حصوله ، فاذا حصل قيل انه اليوم ، فاذا تقضى وصف بانه امس ، فتغير عليه الاسم والمعلوم لم يتغير . وقوله تعالى : { ممن ينقلب على عقبيه } قيل في معناه قولان : احدهما - ان قوماً ارتدّوا عن الاسلام لما حولت القبلة جهلا منهم بما فيها من وجه الحكمة . والآخر ان المراد به كل مقيم على كفره ، لان جهة الاستقامة إقبال ، وخلافها ادبار ، لذلك وصف الكافر بانه ادبر واستكبر . وقال { لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى } أي عن الحق . اللغة : والعقب مؤخر القدم قال ثعلب : ونرد على اعقابنا : أي نعقب بالشر بعد الخير وكذلك رجع على عقبيه . وسميت العقوبة عقوبة لانها تتلو الذنب . والعقبة كرة بعد كرة في الركوب والمشي . والمعقباب : ملائكة الليل تعاقب ملائكة النهار . وعقب الانسان نسله . والعقاب معروف والعقب أصلب من العصاب وامتن ، يعقب به الرماح . والنعقيب : الرجوع الى امر تريده . ومنه قوله تعالى : { ولم يعقب } ومنه يقال عقب الليل النهار يعقبه . واعقب الرأي خبراً ، وأعقب عزه ذلا أي ابدل به . والعقبة طريق في الجبل . وعرو العقاب : الراية لشبهها بعقاب الطائر . واليعقوب ذكر القبسج تشبه به الخيل في السرعة . لا معقب لحكمه أي لا رادّ لقضائه . والمعقب : الذي يتبع الانسان في طلب حق . واصل الباب التلو . المعنى : والضمير في قوله { وإن كانت لكبيرة } يحتمل رجوعه الى ثلاثة أشياء : القبلة على قول ابن عامر . والتحويلة على قول ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة . وهو الاقوى ، لان القوم ثقل عليهم التحويل لا نفس القبلة . وعلى قول ابن زيد الصلاة وقوله : { لكبيرة } قال الحسن : معناه ثقيله يعني التحويلة الى بيت المقدس ، لان العرب لم تكن قبلة احب اليهم من الكعبة . وقيل معناه عظيمة على من لم يعرف ما فيها من وجوه الحكمة . فاما الذين هدى الله ، لان المعرفة بما فيها من المصلحة تسهل المشقة فيصير بمنزلة ما لا يعتد بها ولذلك حسن الاستثناء بما يخرجهم منها . وقوله : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } قيل في معناه اقوال : اولها - قال ابن عباس وقتادة والربيع : لما حولت القبلة قال ناس : كيف باعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الاولى . وقيل : كيف من مات من اخواننا قبل ذلك ، فانزل الله { وما كان الله ليضيع إيمانكم } . الثاني - معناه قال الحسن : وانه لما ذكر ما عليهم من المشقة في التحويلة اتبعه بذكر ما لهم عنده من المثوبة وانه لا يضيع ما عملوه من الكلفة فيه . لان التذكير به يبعث على ملازمه الحق والرضا به . الثالث - قال البلخي : انه لما ذكر انعامه عليهم بالتولية الى الكعبة ذكر سبب ذلك الذي استحقوه به وهو ايمانهم بما عملوه اولا فقال : { وما كان الله ليضيع إيمانكم } الذي استحققتم به تبليغ محبتكم في التوجه الى الكعبة . اللغة : والاضاعة مصدر اضاع يضيع . وضاع الشىء يضيع ضاعة ، وضعة تضيعاً . قال صاحب العين : ضيعة الرجل حرفته . يقال : ما ضيعتك اي ما حرفتك ، هذا في الضياع وضاع عمل فلان ضيعة ، وضياعاً . وتركهم بضيعة ومضيعة . والضيعه والضياع معروف واصل الضياع الهلاك . وقوله : { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } ان قيل : ما الذي اقتضى ذكر هذه الصفة ، قلنا الرؤوف بعباده الرحيم بهم لا يضيع عنده عمل عامل منهم ، فدل بالرأفة والرحمة على التوفير عليهم فيما استحقوه دون التضيع لشيء منه . وانما قدمت الرأفة على الرحمة ، لان الرأفة أشد مبالغة من الرحمة ليجري على طريقة التقديم - بما هو اعرف - مجرى اسماء الاعلام ثم اتباعه بما هو هون منه ليكون مجموع ذلك تعريفاً أبلغ منه ، لو انفرد كل واحد عن الاخر كما هو في الرحمن الرحيم فرؤف على رف فعول ، لغه اهل الحجاز . على ورن فعل ، لغة غيرهم قال الانصاري : @ نطيع نبينا لنطيع ربّاً هو الرحمن كان بنا رؤفا @@ وقال حريز : يعني منعمين حقا ، كفعل الوالد الرؤوف الرحيم . والرأفة : الرحمة تقول رأف يرأف رأفة . المعنى : واستدل من قال الصلاة : الايمان بهذه الآية ، فقالوا : سمى الله الصلوة ايمانا - على تاويل ابن عباس ، وقتادة ، والسدي والربيع وداود بن ابي عاصم وابن زيد وسعيد بن المنذر وعمرو بن عبيد وواصل وجميع المعتزلة . ومن خالفهم من المرجئة لا يسلم هذا التأويل ويقول : الايمان على ظاهره وهو التصديق ولا ينزل ذلك بقول من ليس قوله حجة ، لانهم ليسوا جميع المفسرين بل بعضهم ولا يكون ذلك حجة . واستدل الجبائي بهذه الآية على ان الشاهد هو الحاضر دون من مات ، بان قال : لو كان الرسول شاهداً على من مضى قبله أو من يأتي بعده ومن هو حاضر معه لم يكن لقوله { ويكون الرسول عليكم شهيداً } معنى . ويؤكد ذلك قوله { وكنتُ عليهم شهيداً ما دمتُ فيهم } وقال غيره : قد يجوز ان يشهد العالم بما علم وان لم يحضره - وهو الاقوى - وهذه الآية فيها دلالة على جواز النسخ في الشريعة بل على وقوعه ، لانه قال { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها } فاخبر ان الجاعل لتلك القبلة كان هو تعالى ، وانه هو الذي نقله عنها وذلك هو النسخ ، فان قيل : كيف أضاف الايمان الى الاحياء وهم كانوا قالوا : كيف بمن مضى من اخواننا قلنا يجوز ذلك على التغليب ، لان من عادتهم ان يغلبوا المخاطب على الغائب كما يغلبون المذكر على المؤنث تنبيهاً على الاكمل ، فيقولون : فعلنا بكما وبلغنا كما ، وان كان احدهما حاضراً والاخر غائباً ، فان قيل كيف جاز على اصحاب النبي صلى الله وآله الشك فيمن مضى من اخوانهم فلم يدروا انهم كانوا على حق في صلاتهم الى بيت المقدس ؟ قيل في ذلك : كيف اخواننا لو ادركوا الفضل بالتوجه ، وانهم أحبوا لهم ما احبوا لانفسهم . ويكون قال ذلك منافق بما فيه الرد على المخالفين المنافقين .