Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 217-217)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفوا في : من السائل عن هذا السؤال : أهم أهل الشرك ، أم أهل الاسلام ، فقال الحسن ، وغيره : هم أهل الشرك على جهة العيب للمسلمين باستحلالهم القتال في الشهر الحرام ، وبه قال الجبائي ، وأكثر المفسرين . وقال البلخي : هم أهل الاسلام ، سألوا عن ذلك ليعلموا كيف الحكم فيه . الاعراب : وقوله تعالى : { قتال فيه } مجرور على البدل من الشهر ، وهو من بدل الاشتمال ، ومثله قوله تعالى : { قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود } وقال الأعشى : @ لقد كان في حول ثواءٍ ثويته تقضّي لبانات ويسأم سائم @@ والذي يشتمل عليه المعنى هو أحوال الشيء ، وما كان منه بمنزلة أحواله مما يغلب تعلق الفعل به ، فلا يجوز رأيت زيداً لونه ، لأن لونه يجوز أن يرى كما يجوز أن يرى نفسه ، ويجوز سرق زيد ثوبه ، لأن تعلق السرقة إنما هي بالملك دون النفس في غالب الأمر ، ويجوز أن تقول : رأيت زيداً مجيئه ، ولا يجوز رأيت زيداً إياه ، لأنه يجري مجرى حاله . وقوله تعالى : { وصدّ عن سبيل الله } رفع بالابتداء ، وما بعده معطوف عليه ، وخبره { أكبر عند الله } هذا قول الزجاج . وقال أبو علي الفارسي : لا يخلو أن يكون ارتفاع قوله : { وصدّ عن سبيل الله وكفر } من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو " كبير " كأنه قال : قتال فيه كبير وصدّ وكفر : أي القتال ، قد جمع أنه كبير ، وأنه صدّ ، وكفر . ويكون مرتفعاً بالابتداء ، وخبره محذوف لدلالة { كبير } المتقدم عليه ، كأنه قال : والصد كبير ، كقولك : زيد منطلق وعمرو ، أو يكون مرتفعاً بالابتداء ، والخبر المظهر ، فيكون الصدّ ابتداء ، وما بعد من قوله : { وكفر به وإخراج أهله } مرتفع بالعطف على الابتداء ، والخبر قوله : { أكبر عند الله } قال : ولا يجوز الوجهان الأولان - وقد أجازهما الفراء - أما الوجه الأول ، فلأن المعنى يصير : قل : قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل الله كبير ، والقتال وإن كان كبيراً ، ويمكن أن يكون صدّا ، لأنه ينفر الناس عنه ، فلا يجوز أن يكون كفراً , لأن أحداً من المسلمين لم يقل ذلك ، ولم يذهب إليه ، فلا يجوز أن يكون خبر المبتدء شيئاً لا يكون المبتدأ . ويمنع من ذلك أيضاً قوله بعد : { وإخراج أهله منه أكبر عند الله } ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر ، لأنه لا شيء أعظم منه ، ويمتنع الوجه الثاني أيضاً ، لأن التقدير : فيه يكون قتال فيه كبير وكبير الصدّ عن سبيل الله والكفر به ، وكذلك مثله الفراء ، وقدره ، فاذا صار المعنى : وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر ، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله ، واذا كان كذلك امتنع كما امتنع الأول وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث ، وهو أن يكون قوله { وصدّ عن سبيل الله } ابتداء { وكفر به وإخراج أهله } معطوفاً عليه { وأكبر } خبراً . المعنى : فيكون المعنى : { وصدّ عن سبيل الله } أي منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله ، وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم منه - وأنتم ولاته ، والذين هم أحق به منهم - وكفر بالله أكبر من قتاله في الشهر الحرام . قال الرماني ، الفراء : إن التخلص من التأويل الثاني أن تقول : إخراج أهله منه أكبر من القتل فيه ، لا من الكفر ، لأن المعنى في إخراج أهله منه إخراج النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمؤمنين عنه . قال : وأما التأويل الأول ، فلا يجوز إلا أن يجعل { كفر به } يعني بالمسجد الحرام ، لنتهاك حرمته . وقال : والتأويل الأول أجود . وهذا القتال في الشهر الحرام هو ما عابه المشركون على المسلمين ، من قتل عبد الله بن جحش ، وأصحابه عمر بن الحضرمي ، لما فصل من الطائف ، في عير - في آخر جمادى الآخر - وأخذهم العير ، وهو أول من قتل من المشركين - فيما روي ، وأول فيء أصابه المسلون . وأما قوله تعالى : { والمسجد الحرام } فقال الفراء : إنه محمول على قوله : يسألونك عن القتال ، وعن المسجد الحرام هذا لفظه . قال أبو علي الفارسي : وهذا أيضاً يمتنع ، لأنه لم يكن السؤال عن المسجد الحرام ، وإنما السؤال عن قتال ابن جحش الحضرمي وأصحابه الذين عابهم المشركون وعيّروهم ، فقالوا إنكم استحللتم الشهر الحرام ، وهو رجب بقتلهم فيه ، فكان السؤال عن هذا ، لا عن المسجد الحرام وإذا لم يجز هذا الوجه ، لم يجز حمله على المضمر المجرور ، لأن عطف المظهر على المضمر غير جائز ، لأنه ضعيف جداً ، فيكون محمولا على الضمير في به ، لأن المعنى ليس على كفر بالله أو بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، والمسجد ، فثبت أنه معطوف على ( عن ) من قوله : { وصد عن سبيل الله والمسجد الحرام } ، لأن المشركين صدّ والمسلمين عنه ، كما قال : { إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام } فكما أن المسجد الحرام محمول في هذه الآية على ( عن ) المتصلة بالصدّ - بلا إشكال - كذلك في هذه الآية ، وهو قول أبي العباس ، أيضاً قال الرماني : ما ذكره الفراء ، واختاره الحسن ليس يمتنع ، لأن القوم لما استعظموا القتال في الشهر الحرام ، وكان القتال عند المسجد الحرام يجري مجراه في الاستعظام جمعوها لذلك في السؤال ، وإن كان القتال إنما وقع في الشهر الحرام خاصة ، كأنهم قالوا : قد استحللت الشهر الحرام ، والمسجد الحرام . وظاهر الآية يدل على أن القتال في الشهر الحرام كان محرماً لقوله : { قل قتال فيه كبير } وذلك لا يقال إلا فيما هو محرم ، محظور . اللغة : والصدّ ، والمنع ، والصدف واحد . صدّ يصدّ صدوداً إذا صدف عن الشيء لعدوله عنه ، وصددته عن الشيء ، أصده صداً إذا عدّلته عنه ، ومنه قول تعالى : { إذا قومك منه يصدون } قرىء بالضم ، والكسر . قال أبوعبيدة : يصُدّون يعرضون ، ويصِدّون : يضجون ، وذلك لأنهم ، يعدلون الى الصحيح . والصديد : الدم المختلط بالقيح يسيل من الجرح . والصدد : ما استقبلك وصار في قبالتك ، لأنه يعدل الى مواجهتك . والصدان : ناحيتا الشعب أو الوادي . والصداد : ضرب من الجردان يعدل لشدة تحرزه . والصداد : الوزغ ، لأنه يعدل عنه استقذاراً له ، وأصل الباب العدول . المعنى : وقوله : { والفتنة أكبر من القتل } معناه الفتنة في الدين ، وهي الكفر أعظم من القتل في الشهر الحرام . وقال قتادة وغيره ، واختاره الجبائي : إن القتال في الشهر الحرام وعند المسجد الحرام منسوخ بقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } وبقوله : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقال عطا : هو باق على التحريم . وروى أصحابنا : أنه على التحريم فيمن يرى لهذه الأشهر حرمة ، فانهم لا يبتدءون فيه بالقتال ، وكذلك في الحرم ، وإنما أباح تعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) قتال أهل مكة وقت الفتح ، ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن الله أحلها في هذه الساعة ، ولا يحلها لأحد بعدي الى يوم القيامة " ومن لا يرى ذلك ، فقد نسخ في جهته وجاز قتاله أي وقت كان . وقوله : { يردوكم } قال الجبائي : هو مجاز ها هنا ، لأن حقيقته : حتى ترتدّوا بالجاءهم إياكم الى الارتداد ، والأولى أن يكون حقيقة ذلك بالعرف . اللغة : وقوله تعالى : { ولا يزالون } فالزوال : العدول . ولا يزال موجوداً ، وما زال : أي ما دام ، وزال الشيء عن مكانه يزول زوالا ، وأزلته عنه ، وزلته ، وزالت الشمس زوالا ، وزيالا ، وزالت الخيل بركبانها زيالا ، ورجل زول ، وامرأة زولة ، وهو الظريف الركبين وأصل الباب الزوال . وقوله : { ومن يرتدد منكم عن دينه } ، فهو على إظهار التضعيف ، لسكون الثاني . ويجوز { يرتدّ } - بفتح الدال - على التحريك ، لالتقاء الساكنين ، والفتح أجود . وقوله : { فأولئك حبطت أعمالهم } معناه : أنها صارت بمنزلة ما لم يكن ، لايقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به ، وليس المراد أنهم استحقوا عليها الثواب ثم انحبطت ، لأن الاحباط - عندنا - باطل على هذا الوجه . ويقال : حبط عمل الرجل يحبط حبطاً وحبوطاً ، وأحبطه الله إحباطاً ، والحبط : فساد ، يلحق الماشية في بطونها ، لأكل الحباط ، وهو ضرب من الكلاء . يقال : حبطت الابل تحبط حبطاً اذا أصابها ذلك . وروي عن عطا عن ابن عباس : أن المسجد الحرام الحرم كله .