Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 253-253)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنما ذكر الله تعالى تفضيل بعضهم على بعض ، لامور : منها أن لا يغلط غالط منهم ، فيسوّي بينهم في الفضل . كما استووا في الرسالة ، وثانيها أن يبين أن تفضيل محمد ( صلى الله عليه وسلم ) كتفضيل من مضى من الأنبياء بعضهم على بعض . وثالثها - أن الفضيلة قد تكون بعد إداء الفريضة . والمراد الفضيلة المذكورة ها هنا ما خص كل واحد منهم من المنازل الجليلة التي هي أعلى من منزلة غيره ، نحو كلامه لموسى بلا سفير ، وإرساله محمداً ( صلى الله عليه وسلم ) الى الكافة من الناس المكلفين والجن المتعدين ، هذا قول مجاهد . ويحتمل فضلناهم بأعمالهم التي استحقوا بها الفضيلة على غيرهم . والفرق بين الابتداء بالفضيلة وبين المحاباة ان المحاباة اختصاص البعض بالنفع على ما توجبه الشهوة دون الحكمة ، وليس كذلك الابتداء بالفضيلة ، لأنه قد يكون للمصلحة التي لولاها لفسد التدبير وأدى الى حرمان الثواب للجميع . فمن حسن النظر لهذا الانسان تفضيل غيره عليه إذا كان في ذلك مصلحة له فهذا وجه تدعوا إليه الحكمة وليس كالوجه الأول الذي انما تدعوا إليه الشهوة . وقوله : { وأيدناه بروح القدس } معناه قويناه . والروح : جبريل . والقدس الله - على قول الحسن - وقال ابن عباس : روح القدس : الاسم الذي كان يحيي به الموتى . والضمير في قوله : { من بعدهم } عائد على الرسل . وقال قتادة ، والربيع : على عيسى وموسى ( ع ) . وجاز بلفظ الجميع ، لأن ذكرهم قد يغني عن ذكر المتبعين لهم . كما يقال : خرج الأمير فانكوا في العدوّ نكاية عظيمة . وقوله : { ولو شاء الله ما اقتتلوا } إخبار عن قدرته على إلجائهم على الامتناع من الاقتتال ، أو بأن يمنعهم من ذاك . هذا قول الحسن وغيره . وجملته انه أخبر انه قادر على أن يحول بينهم ، وبين الاقتتال بالالجاء والاضطرار . ومثله { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها } { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً } فان جميع ذلك دلالة على قدرته عليهم . ولا يدل قوله { ولو شاء الله ما اقتتلوا } على أنه قد شاء اقتتالهم ، لأنه إذا احتمل الكلام وجهين : أحدهما - يجوز عليه والآخر لا يجوز عليه ، وجب حمله على ما يجوز عليه ، دون ما لا يجوز عليه ، فلذلك كان تقدير الكلام ولو شاء الله امتناعهم بالالجاء ما اقتتلوا . ونظيره قول القائل ولو شاء السلطان الاعظم ، لم يشرب النصارى الخمر في سلطانه ولا نكحت المجوس الامهات والبنات وليس في ذلك دليل على أنه قد شاءه وإنما كرر قوله : { ولو شاء الله ما اقتتلوا } لاختلاف المعنى . فمعنى الأول لو شاء الله ما اقتتلوا قتالهم ، ويجوز أن يكون لتأكيد البينة على هذا المعنى . وقال قوم : الأول معناه لو شاء الله ما اقتل المحقون ، والمبطلون بأن يحول . بينهم ، وبينهم . والثاني لو شاء الله ما اقتتل المحقون فيما بينهم والمبطلون فيما بينهم .