Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 255-255)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الاعراب : { الله } رفع بالابتداء { ولا إله إلا هو الحي القيوم } خبره . والكلام مخرجه مخرج النفي أن يصح إله سوى الله . وحقيقة الاثبات الا له واحد هو الله . كأنه قيل الله الا له دون غيره . وارتفع هو في لا إله إلا هو على أحد وجهين : أحدهما - بالابتداء كأنه قال ما إله إلا الله . والثاني - أن يكون بدلا كأنه قال ما إله ثابتاً إلا الله . ويجوز في العرببة لا إله إلا الله بالنصب على الاستثناء . وفيه دلالة على الامر باخلاص العبادة لله تعالى . اللغة ، والمعنى والحي هو من كان على صفة لا يستحيل معها كونه عالماً قادراً ، وان شئت قلت : هو من كان على صفة يجب لأجلها أن يدرك المدركات ، إذا وجدت . والقيوم أصله قيووم على وزن فيعول . إلا أن الياء الساكنة إذا كانت بعدها واو متحركة قلبت ياء وأدغمت فيها قياساً مطرداً . والقيام أصله قيوام على وزن فيعال . وقيل في معنى القيوم ، أربعة أقوال : أحدها - قال الحسن إنه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها من حيث هو عالم لا يخفى عليه شىء منه . الثاني - قال سعيد بن جبير : إن معناه الدائم الوجود . الثالث - قال قتادة : معناه : القائم بتدبير خلقه . الرابع - قال قوم : إن معناه العالم بالامور من قولهم : فلان قيوم هذا الكتاب أي هو عالم به . وكل هذه الوجوه تحتمل . وقال أمية بن أبي الصلت : @ لم تخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يقوم قدره المهيمن القيوم والحشر والجنة والجحيم إلا لأمر شأنه عظيم @@ وقوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } فالسنة النوم بلا خلاف قال عدي ابن الرقاع : @ وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم @@ فالسنة الثقلة من النعاس ، تقول : وسن فلان وسناً إذا أخذته سنة النعاس ، وقد علته وسنة ، ورجل وسنان ووسن ، وامرأة وسنانة ، ووسنى ، وأصل الباب : النعاس . والنوم الاستثقال في النوم ، تقول نام ينام نوماً وأنامه إنامة ، ونومه تنويماً وتناوم تناوماً ، واستنام إليه : إذا استانس إليه ، واطمأن الى ناحيته ، لأن حاله معه كحالة النائم في المكان أنساً به وأصل الباب النوم خلاف اليقظة . وقوله : { ما في السماوات وما في الأرض } معناه أن أحداً ممن له شفاعة لا يشفع إلا بعد أن يأذن الله له في ذلك ويأمره به ، فأما أن يبتدىء أحد بالشفاعة من غير إذن ، كما يكون فيما بيننا ، فليس ذلك لأحد . وقوله : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } قال : ابن جريج ومجاهد والسدي : معناه ما مضى من الدنيا وما خلفهم من الآخرة . وقوله : { ولا يحيطون بشيء من علمه } معناه من علومه ، كقول القائل : أللهم اغفر لنا علمك فينا ، فاذا ظهرت آية يقولون قدرة الله أي مقدور الله وقوله : { وسع كرسيه } قال ابن عباس كرسيه : علمه وهو المروي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله ( ع ) . وقال الحسن : الكرسي هو العرش . وقيل : هو سرير دون العرش وقد روي ذلك عن أبي عبد الله ( ع ) . وقيل : أصل ملكه . وكل ذلك محتمل . أما العلم ، فلأنه يقال للعلماء الكراسي ، لأنهم المعتمد كما يقال : هم أوتاد الأرض ، وهم الأصل الذي يعتمد عليه . ويقال لكل أصل يعتمد عليه . كرسي قال الشاعر : @ تحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالاحداث حين تنوب @@ أي علماء بحوادث الامور . وقال آخر : @ نحن الكراسي ما تعدّ هوازن أفعالنا في النائبات ولا أسد @@ وقال آخر : @ مالي بأمرك كرسي كاتمه وهل بكرسي علم الغيب مخلوق @@ وكل شيء تراكب فقد تكارس تكارساً ، ومنه الكراسة لتراكب بعض ورقها على بعض قال العجّاج : @ يا صاح هل تعرف رسما مكرّساً قال نعم أعرفه وأبلسا @@ أي تكارس عليه التراب ، فغطاه ، والكرس البعر والبول : إذا تلبد بعضه على بعض ، والأكارس الجموع الكثيرة ، لا واحد له ، لأنه بكثرته بمنزلة ما تراكب بعضه على بعض . ورجل كروس شديد الرأس ، لأنه تضاعف القوى كتراكب الشيء بعضه على بعض ، والكرياس : كنيف في أعلى السطح بقناة الى الارض ، لتراكب بعض ابنيته على بعض ، وسمي الكرسي بذلك ، لتركيب بعضه على بعض . ويقال : كرسي الملك من مكان كذا الى مكان كذا أي ملكه تشبيهاً بالكرسي المعروف . وكرس يكرس كرساً ، وأكرس إكراساً ، وتكارس تكارساً ، وتكرّس تكرساً ، وكرّسه تكريساً ، وأصل الباب الكرس : تراكب الشيء بعضه على بعض . والوجه في خلق الكرسي إذا قلنا : أنه جسم هو أن الله تعبد تحمله الملائكة والتعبد عنده كما تعبد البشر بزيادة ؛ ولم يخلقه ليجلس عليه ، كما تقول المجسمة . واختاره الطبري ، لأنه عزّ وجل يتعالى عن ذلك ، لأن ذلك من صفات الاجسام ولو احتاج الى الجلوس عليه ، لكان جسما ومحدثاً وقد ثبت قدمه . وقوله : { ولا يؤوده حفظهما } أي لا يثقله ، والهاء في يؤوده راجعة الى الله وقيل إنها عائدة الى الكرسي . والأود مصدر ، آده يؤوده أوداً وأياداً إذا أثقله وجهده ، وأودت العود فأنا آوده أوداً ، فانآد ومعناه عجته فانعاج ، لأنه اعتمد عليه بالثقل حتى مال ، والأود ، والأوداء على وزن اعوج وعوجاء والمعنى واحد والجمع الأود بوزن العوج وأصل الباب الثقل . وقوله : { وهو العلي العظيم } فالعلى يعنى بالاقتدار ونفوذ السلطان . ويقال علا بالاقتدار ، ولا يقال رفيع ، لأن الرفعة من المكان ، والعلوّ منقول الى معنى الاقتدار يوضح ذلك قولهم : علا قرنه بمعنى اقتدر ولا يقال ارتفع عليه بمعنى اقتدر وكذلك استعلى عليه بالحجة ، ولا يقال ارتفع عليه بالحجة . وتقول : علا يعلو علوّاً وأعلى إعلاء وعلى تعلية واستعلى استعلاء . وتعلى تعلياً . وتعالى تعالياً واعتلاه اعتلاء ، وعالى معالاة . والعلوّ - بضم العين وكسرها - نقيض السفل ، والعلوّ التجبر ، ومنه قوله تعالى : { إن فرعون علا في الأرض } أي تجبر ، لأنه طلب الاستعلاء على الناس بالسلطان والقهر . والله العالي والمتعالي أي القادر القاهر ، لأنه عال بالاقتدار ، لأنه لا يعجزه شيء والعالية : القناة المستقيمة ، لاستمرارها في جهة العلوّ . وفلان من علية الناس أي من أشرافهم ، لأنه علا بشرفه . والعلية : الغرفة وأصل الباب العلوّ . والعظيم معناه عظيم الشأن بأنه قادر ، ولا يعجزه شيء ، وعالم لا يخفى عليه شيء ، فلا نهاية لمقدوره ومعلومه ، وقال قوم : العظيم بمعنى المعظم كما قالوا في الخمر العتيقة معتقة ، والأول أقوى لأن على هذا كان يجب ألا يوصف بانه عظيم فيما لم يزل وقد علمنا خلافه .