Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 260-260)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة : قرأ حمزة وحده { فصرهن } بكسر الصاد . الباقون بضمها . الاعراب : العامل في قوله { وإذ } يحتمل أن يكون أحد شيئين : أحدهما - ما قال الزجاج : واذكر إذ قال . والثاني - ألم تر إذ قال عطفا على { ألم تر إلى الذي حاجّ إبراهيم في ربه } . المعنى : وقيل في سبب سؤال إبراهيم أن يريه كيف يحيي الموتى ثلاثة أقوال : أحدها - قال الحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وأبو عبد الله الصادق ( ع ) : أنه رأى جيفة قد مزقها السباع تأكل منها سباع البرّ وسباع الهواء ودواب البحر فسأل الله ( تعالى ) أن يريه كيف يحييها وقال ابن اسحاق كان سبب ذلك منازعة نمرود له في الاحياء ، وتوّعده إياه بالقتل إن لم يحيي الله الميت بحيث يشاهده ، ولذلك قال ليطمئن قلبي إلى أنه لا يقتلني الجبار ، وقال قوم إنما سأل ذلك لقومه ، كما سأل موسى الرّؤية ، لقومه . وقال قوم : إنما سأله ، لأنه أحب أن يعلم ذلك علم عيان بعد أن كان عالماً به من جهة الاستدلال . وهو أقوى الوجوه . وقال قوم : إنما سأل ذلك ، لأنه كان شاكاً فيه . وروي فيه رواية ، فهذا باطل ، لأن الشك في أن الله قادر على احياء الموتى كفر لا يجوز على الانبياء ، لأنه تعالى لا يجوز أن يبعث إلى خلقه من هو جاهل بما يجوز عليه وما لا يجوز . والذي يبين ذلك أن الله تعالى لما قال له { أولم تؤمن } فقرر أنه قال إبراهيم { بلى ولكن ليطمئن قلبي } فبين أنه عارف بذلك مصدق به ، وإنما سأل تخفيف المحنة بمقاساة الشبهات ، ودفعها عن النفس . والالف في قوله { أولم تؤمن } ألف إيجاب قال الشاعر : @ ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح @@ أي قد آمنت لا محالة ، فلم تسأل ذا ، فقال : { ليطمئن قلبي } وقوله { ليطمئن قلبي } معناه ليزداد يقيناً إلى يقينه ، وهو قول الحسن ، وقتادة ، وسعيد بن جبير ، والربيع ، ومجاهد ، ولا يجوز " ليطمئن قلبي " بالعلم بعد الشك الذي قد اضطرب به لما بيناه ، ولكن يجوز أن يطلب علم البيان بعد علم الاستدلال . وقيل معناه " ليطمئن قلبي " بأن لا يقتلنى الجبار . اللغة والمعنى : ويقال : اطمأن يطمئن اطمئناناً : إذا تواطأ والمطمئن من الارض ما انخفض وتطامن ، واطمأن إليه إذا وثق به ، لسكون نفسه إليه ، ولتوطي حاله بالأمانة عنده ، وأصل الباب التوطئة . وقوله : { قال فخذ أربعة من الطير } قيل أنها الديك ، والطاووس ، والغراب ، والحمام . أمر أن يقطعها ويخلط ريشها بدمها ، ويجعل على كل جبل منهن جزءاً ، هذا قول مجاهد ، وابن جريج ، وابن زيد ، وابن اسحاق ، والطير معروف يقال : طار يطير طيراناً وأطاره اطارة وطيره تطييراً ، وتطاير تطايراً وطايره مطايرة ، واستطار استطارة ، فأما تطير تطيراً فمن الطيرة لأنه زجر الطير بما يكره ، وتطاير الشيء إذا تفرق في الهواء ، وطائر الانسان : عمله الذي قلّده من خير أو شر ، لأنه كطائر الزجر في البركة أو الشؤم قال الله ( تعالى ) { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } والمطير ضرب من الوشي لأن عليه تماثيل الطيور . وفجر مستطير أي منتشر في الأفق كانتشار الطيران . وغبار مستطار ، كذا كلام العرب للفرق وفرس مطار وهو الحديد الفؤاد لأنه طيار في جريه وأصل الباب الطيران . وقوله { فصرهن } فمن قرأ بضم الصاد احتمل معنيين : أحدهما - يقطعهن على قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد . وقال توبة بن الحمير : @ فأدنت لي الاسباب حتى بلغتها بنهضي وقد كان ارتقائي يصورها @@ أي يقطعها . والثاني - أن معناه أضممهن إليك على قول عطا وابن زيد من صاره يصوره صوراً : إذا أماله . قال المعلى العبدي : @ وجاءت خلعة دهس صفايا يصور عنوقها أحوى زنيم @@ معناه أن هذه الغنم يعطف عنوقها هذا التيس الأحوى ، ومن قال بالكسر احتمل ذلك أيضاً الوجهين اللذين ذكرناهما في الضم وقال بعض بني سليم : @ وفرعٍ يصير الجيدوحفٍ كأنه على الليت قنوان الكروم الدّوالح @@ معناه يميل الجيد . وإذا كان بمعنى قطعهن فاليك من صلة خذ . وإذا كان بمعنى أملهن يجوز أن يكون إلى متعلقاً به . ويجوز أن يكون متعلقاً بصرهن ، وهو الاقوى على قول سيبويه لأنه أقوى كذا قال أبو علي الفارسي وإذا كان بمعنى أملهن إليك وقطعهن { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً } . والصور العطف يقال صاره يصوره صورا إذا عطفه . وقال الشاعر : @ وما يقبل الاحياء من حب خندف ولكن أطراف الرياح يصورها @@ والصور التقطيع . صاره يصوره . والصور : ميل لأنه انقطاع إلى الشيء بالميل إليه ومنه الصورة لتقطيعها بالتأليف على بعض الأمثلة صور يصور تصويراً وتصَّور تصورا والصوار : القطيع من بقر الوحش ، لانقطاعه بالانفراد عن غيره . والصّور : النخل الصغار ، والصور : قرن ينفخ فيه لاجتماع الصورة به . ويجوز للانقطاع إليه بالدعاء إليه والصور : جمع صورة . والصوار . النفحة من المسك وأصل الباب القطع . وقال الفراء : صاره يصيره بمعنى قطعه من المقلوب من صراه يصرية وأنشد : @ يقولون ان الشام يقتل أهله فمن لي إذا لم آته بخلود تعرب آبائي فهلا صراهم من الموت أن لم يذهبوا وجدودي @@ قال المبرّد لا يجوز ذلك ، لأن سيبويه قال : إن كل واحد من اللفظين إذا تصرف في بابه لم يكن أحدهما أصلا للآخر : نحو جذب يجذب جذباً ، فهو جاذب ، وجبذ يجبذ جبذا فهو جابذ فلذلك لما تصرف صاره يصيره صيراً كما ينصرف صراه يصريه صرياً ، لم يكن أحدهما أصلا للآخر ، ولكن المقلوب نحو قسى لأن بابه على تأخير السين نحو قوس ، واقواس وقويس . المعنى : وقوله { ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً } قال ابن عباس ، والحسن وقتادة : إنها كانت أربعة . وقال ابن جريج ، والسدي : كانت سبعة . وقال مجاهد ، والضحاك كل جبل على العموم بحسب الامكان ، كأنه قيل كل فرقة على جبل يمكنك التفرقة عليه . وروي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) أنها كانت عشرة . وفي رواية أخرى أنها كانت سبعة ، والفرق بين الجزء والسهم أن السهم من الجملة ما انقسمت عليه ، وليس كذلك الجزء نحو الاثنين وهو سهم من العشرة لأنها تنقسم عليه ، وليس كذلك الثلاثة وهو جزء منها لأنه بعض لها فان قيل : كيف أجيب ابراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى في قوله { رب أرني أنظر إليك } قيل عنه جوابان : أحدهما - أنه سأل أية لا يصح معها بقاء التكليف من وقوع الضرورة التي لا يعترضها الشكوك بوجه من الوجوه ، وابراهيم إنما سأل في شيء خاص يصح معه التكليف . والقول الآخر - أن الأحوال قد تختلف فيكون الأصلح الاصوب في بعض الأوقات الاجابة ، وفي وقت آخر المنع فيما لم يتقدم فيه إذن . فان قيل : كيف قال : { ثم ادعهن } ودعاء الجماد قبيح ؟ قلنا إنما أراد بذلك الاشارة إليها والايماء لتقبل عليه إذا أحياها الله . فأما من قال أنه جعل على كل جبل طيراً ثم دعاها فبعيد ، لأن ذلك لا يفيد ما طلب ، لأنه إنما طلب ما يعلم به كونه قادراً على إحياء الموتى ، وليس في مجيء طير حي بالايماء إليه ما يدل عليه . وفي الكلام حذف ، فكأنه قال : فقطعهن واجعل على كل جبل منهن جزأ فان الله يحييهن ، فاذا أحياهن فادعهن يأتينك سعياً ، فيكون الايماء إليها بعد أن صارت أحياء ، لأن الايماء إلى الجماد لا يحسن ، فان قيل : إذا أحياها الله كفى ذلك في باب الدلالة ، فلا معنى لدعائها ، لأن دعاء البهائم قبيح ؟ قلنا : وجه الحسن في ذلك أنه يشير إليها ، فسمي ذلك دعاء لتأتي إليه فيتحقق كونها أحياء ويكون ذلك أبهر في باب الاعجاز . وقال الطبري معنى الدعاء ها هنا الاخبار عن تكوينها أحياء كما قال { كونوا قردة خاسئين } وقوله : { أتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } . اللغة : والجبل وتد من أوتاد الأرض معروف . وجبل فلان على كذا أي طبع عليه وأجبل القوم أجبالاً : إذا صاروا في الجبال وتجبلوا إذا دخلوها ، ورجل ذو جبلة إذا كان غليظ الجسم ، لأنه كالجبل في الغلظ . والجبلة الأمة من الناس وأجبل الحافر : إذا أفضى إلى صلابة لا يمكنه الحفر فيه ، ومنه أجبل الشاعر إذا صعب عليه القول ، والجزء : بعض . الجزأ جزأته تجزئة إذا بعضته ، والجزء الاجتزاء بالرطب عن الماء جزأت الوحشية جزوء لاكتفائها بالجزء الذي في الرطب منه والجزاء نصاب السكين وأصل الباب الجزء البعض .