Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 54-54)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة : { بارئكم } اسكن الهمزة فيها ابو عمرو . إلا المعدل وسحارة من طريق الجرمي ، وابن مجاهد فكلهم خففوا الهمزة فيها . الا ابا طاهر عن ابن مجاهد عن اسماعيل فانه قلبها ياء . التقدير واذكروا ايضاً اذ قال موسى لقومه : { يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل } . وظلمهم اياها كان فعلهم بها ما لم يكن لهم ان يفعلوه بما يستحق به العقاب . وكذلك كل من فعل فعلا يستحق به العقاب فهو ظالم لنفسه . وقد بينا معنى التوبة فيما مضى . واما قوله : { إلى بارئكم } . اللغة : فالبارىء هو الخالق الصانع . يقال : برأه . واستبرأ استبراء ، وتبرأ تبريا ، وباراه مباراة ، وبرأه براءة ، وتبرئة . قال صاحب العين : البرأ مهموز وهو الخلق تقول برأ الله الخلق وهو يبرؤهم وهو البارىء وقال امية : @ الخالق البارىء المصور في ال أرحام ماء حتى يصير دما @@ والبرء السلامة من السقم . تقول برأ برؤه وبرئت وبرأت وبرؤت براءة . وتبرأ تبريا لغة في هذا والبراءة من العيب والمكروه لا يقال منه : الا برىء براء وفاعله برىء وفلان برىء وبراء كقوله : إني براء . وامرأة براء . ونسوة براء وبراء على وزن فعلاء . ومنه قوله : " انا برآء منكم " جمع برىء . ومن ترك الهمزة . قال : براء على وزن فعال . وتقول بارأت الرجل اي برئت اليه . وبرىء إلى مثل ذلك . وبارات المراة اي صالحتها على المفارقة وابرات الرجل من الضمان والدين وبرأه تبرئة . ويقال : ابرأ الله فلانا من المرض إبراء حسناً ، والاستبراء : استبراء الجارية والمرأة بان لا يطأها حتى تحيض . والاستبراء نقاء الفرج من القذر . وأصل الباب تبري الشيء من الشيء : وهو انفصاله منه . وبرأ الله الخلق اي فطرهم ، فانهم انفصلوا من العدم إلى الوجود . والبرية الخلق ، فعيلة بمعنى مفعول ، لا يهمز كما لا يهمز ملك وان كان اصله من الالوكة . وقيل البرية مشتقة من البراوة ، وهو التراب ، فلذلك لم تهمز . وقيل إنه مأخوذ من بريت العود ، فلذلك لم يهمز . والبراءة من الشيء : المفارقة والمباعدة عنه : وبرىء الله من الكافر : باعده عن رحمته وانواع الفعل كثيرة : منها الخلق ، والانشاء ، والارتجاع . والبرء : الفطر . فأما الاحداث ، والايجاد والتكوين فكالفعل والجعل : اعم من الفعل ، لأنه لما وجد بعد ان لم يكن كقولك : جعلت الطين خزفا . فلم يحدث الخزف في الحقيقة ، وانما احدث ما صار خزفاً . وقوله : { فاقتلوا } اللغة : فالقتل والذبح والموت نظائر . وبينها فرق : فالقتل نقض بنية الحياة . والذبح فري الاوداج . والموت عند من اثبته معنى عرض يضاد الحياة . يقال : قتل يقتل قتلا . واقتتلوا اقتتالا . وتقاتلوا تقاتلا . واستقتل استقتالا . وقتل تقتيلا . وقاتله مقاتلة . وقوله تعالى : { قاتلهم الله } معناه لعنهم الله . وقوم اقتال : اي هم اهل الوتر ، والترة : اي هم اعداء وتراة . وتقول : تقتلت الجارية للفتى يصف به العشق . وقال الشاعر : @ تقتلت لي حتى اذا ما قتلني تنسكت ما هذا بفعل النواسك @@ واقتل فلان فلانا : اذا عرضه للقتل . والمقتل من الدواب الذي قد ذل ومرن على العمل . وقلب مقتل : اي قتل عشقاً . ومنه قول امرىء القيس : @ في اعشار قلب مقتل @@ قال ابن دريد : قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها . قال الشاعر : @ ان التي ناولتني فرددتها قُتلت قتلت فهاتها لم تقتل @@ وتقتل الرجل لحاجة اي يأتي لها . ويقتل الرجل للمرأة : اذا خضع لها في كلامه وقتل الرجل : عدوه . والجمع اقتال . وفلان قتل فلان : أي نظيره ، وابن عمه وقتله قتله سوء واقتتلوا بمعنى تقاتلوا ومثله قتلوا قال ابو النجم : @ ندافع الشيب ولم يقتل @@ وناقة ذات قتال وذات كيال ، اذا كانت غليظة وثيقة الخلق . في المثل : قتلت ارض جاهلها ، وقتل ارضا عالمها . ومقاتل الانسان : هي التي اذا اصيبت قتلت . وأصل الباب : القتل وهو نقض البنية التي تصح معها الحياة . وقال المبرد : واصله اماتة الحركة . وقوله : { قاتلهم الله أنى يؤفكون } اي قد حلوا محل من يقال له هذا القول . اي انزل الله بهم القتل . ويقول قتله علما اذا ايقنه وتحققه . وقوله : { فاقتلوا أنفسكم } . المعنى : قيل في معناه قولان : احدهما يقتل بعضكم بعضا . ذهب اليه ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وغيرهم من اهل العلم ، كما يقول القائل : قتل آل فلان اذا قتل بعضهم بعضا . والثاني ذكره ابن عباس واسحاق واختاره ابو علي . وهو ان يستسلموا للقتل فجعل استسلامهم للقتل قتلا منهم لانفسهم على وجه التوسع . وقيل : ان السبعين الذين اختارهم موسى للميقات امروا بالقتل لمن سأل الرؤية من بني اسرائيل وقيل : إنهم قتلوا انفسهم كما امروا . عمدوا إلى الخناجر وجعل بعضهم يطعن بعضا . قال ابن عباس وغيره من اهل العلم : ويقال غشتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا ، ثم انجلت الظلمة ، فاجلوا عن سبعين الف قتيل . والسبب الذي لاجله امروا بقتل انفسهم ذكره ابن جريج : ان الله علم ان ناساً منهم علموا ان العجل باطلا فلم يمنعهم ان ينكروا الا خوف القتل ، فلذلك بلاهم الله ان يقتل بعضهم بعضا . وقال الرماني : ولا بد ان يكون في الامر بالقتل لطف لهم ولغيرهم ، كما يكون في استسلام القاتل لطف له ولغيره . فان قيل كيف يكون في قتلهم نفوسهم لطف لهم ، وبعد القتل لا تكليف عليهم . واللطف لا يكون لطفاً فيما مضى ولا فيما يقاربه قلنا : اذا كان القوم كلفوا ان يقتل بعضهم بعضا وكل واحد منهم يقصد قتل غيره ويجوز ان يبقى بعده فيكون القتل لطفاً له فيما بعد ، ولو كان بمقدار زمان يفعل فيه واجبا واحدا : ويمتنع فيه من قبيح . وذلك كما نقول في عبادتنا في قتال المشركين . فان الله تعالى تعبدنا ان نقاتل حتى نقتل ونقتل ومدح على ذلك ، فلذلك روى اهل السير ان الذين عبدوا العجل تعبدوا ان يقاتلوا من لم يعبد ويصبروا على ذلك حتى يقتل بعضهم بعضا . وكان القتل شهادة لمن قتل ؛ وتوبة لمن بقي . وانما كانت تكون شبهة ، لو امروا بان يقتلوا نفوسهم بايديهم . ولو صح ذلك لكان لا يمتنع بان يكونوا امروا بان يفعلوا بنفوسهم الجراح التي تفضي إلى الموت وان لم يزل معها العقل فينا في التكليف ـ . وأما على القول الآخر وهو انهم امروا بالاستسلام والقتل والصبر عليه فلا مسألة لانهم امروا بقتل نقوسهم . وعلى هذا يكون قتلهم حسناً ، لأنه لو كان قبيحاً لما جاز ان يؤمروا بالاستسلام . وكذلك نقول : لا يجوز ان يتعبد نبي او امام بان يستسلم للقتل مع قدرته على الدفع عن نفسه ، فلا يدفعه لأن في ذلك استسلاما للقبيح مع القدرة على الدفع منه ، وذلك لا يجوز وانما يقع قتل الانبياء والائمة على وجه الظلم ، وارتفاع التمكن من الدفع مع الحرص على الدفع . غير انه لا يمتنع ان يتعبد بالصبر على الدفاع . وتحمل المشقة في ذلك وان قتله غيره ظلما والقتل وان كان قبيحا بحكم العقل ـ ، فهو ما يجوز تغيره بان يصير حسنا ، لانه جار مجرى سائر الالام . وليس يجري ذلك مجرى الجهل والكذب الذي ليس يصير قط حسناً ووجه الحسن في القتل انه لطف على ما قلناه ، وكما يجوز من الله ان يميت الحي ، كذلك يجوز ان يامرنا باماتته ويعوضه على ما يدخل عليه من الالام ويكون فيه لطف على ما قدمناه . وقوله : { ذلكم } اشارة إلى التوبة مع القتل لانفسهم على ما امرهم الله تعالى به بدلالة قوله . { فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم } فقوله : " توبوا " دال على التوبة ، فكانها مذكورة . وقوله : { خير } اللغة : فالخير ، والنفع ، والفضل ، والحظ نظائر وضد الخير : الشر . وضد النفع : الضرر . تقول : خار الله له الخير خيرة . واختار اختياراً واستخار فلان استخارة وتخير تخيراً وتخايراً . وخيره تخييراً . وخايره مخايرة ورجل خير وامرأة خيرة : أي فاضلة . وقوم اخيار ، وخيار . وامرأة خيرة . حقيقة في جمالها ، وميسمها . ومنه قوله : { فيهن خيرات حسان } وناقه خيار . ورجل خيار . وتقول : والجمع خيار . وتقول : هذه وهذا وهؤلاء خيرتي . وما تختاره . وتقول : انت بالخيار وانت بالخيار سواء . والرجل يستخير الضبع واليربوع : اذا جعل حبسه في موضع النافقاء ، فخرج من القاصعاء . والخيرة مصدر خار خيرة ساكنة الياء مثل راب ريبة . واصل الباب الخير نقيض الشر . والخير : الهيأه المختارة . وحذفت الياء من قوله : { ياقوم } واثبتت في قوله : { يا ليت قومي } لأن ياء الاضافة تحذف في النداء ، لأنه موضع حذف ، يحذف فيه التنوين ، ويحذف الامم للترخيم ، فلما كانت بالاضافة تحذف في غير النداء ، لزم حذفها في النداء . وأما قوله : { يا ليت قومي يعلمون } فانها تثبت لأنها ياء الاضافة . لا يلحقها ما يوجب حذفها ، كما لحق الياء في النداء . ويجوز في { ياقوم } كسر الميم وحذف الياء هو اجماع القراء ويجوز بياء ساكنة ، ويجوز بفتح الياء وما قرىء بها . فاما إسكان الهمزة . فالذي رواه سيبويه عن ابي عمر واختلاس الحركة . وهو اضبط من غيره والاسكان في مثل هذا يجوز في ضرورة الشعر كقول الشاعر : @ اذا اعوججن قلت صاحبْ قوم @@ وكان ينبغي ان يقال صاحبَ لأنه منادى . وقال امرؤ القيس : @ فاليوم فاشرب غير مستحقب اثما من الله ولا واغل @@ وقد روى بعضهم صاح قوم وروي فاليوم فاشرب وروى بعضهم : فاليوم فاسقي ولا يقال في الله تعالى تائب مطلقاً . وانما يقال : تائب على العبد . قوله : { فتاب عليكم } فالفاء متعلق بمحذوف كأنه قال ففعلتم او قتلتم انفسكم فتاب عليكم . وكان فيما بقى دلالة عليه .