Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 56-56)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { بعثناكم } احييناكم . عند اكثر المفسرين : كالحسن ، وقتادة ، وغيرهما . وقال السدي : بعثناكم أنبياء . والأول أصح لانه ظاهر الكلام . فلا يجوز العدول عنه وأصل البعث : إثارة الشيء من محله ، ومنه قيل : بعث فلان راحلته : اذا اثارها من مبركها للسير . ومنه قولهم بعثت فلانا لحاجتي : اذا اقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها . ومن ذلك قيل : ليوم القيامة يوم البعث لأنه يوم تثار فيه الناس من قبورهم لموقف الحساب . اللغة : والبعث والارسال وكل الاطلاق نظائر . يقال : بعثت بعثا . وانبعثت انبعاثا . وتبعثت تبعثة . وبعثته من نومه فانبعث . اي نبهته فانتبه . وتقول : ضرب البعث على الجند . اذا بعثوا إلى العدو . وكل قوم يبعثون إلى وجه او في امر فهم بعث . وأصل الباب : البعث وهو الارسال . وكل باعث فاعل . واما المبعوث فقد يكون فاعلا ، وقد لا يكون . يقال : بعث الله عليهم ريحا فاقتلعتهم والريح مبعوثة . ويقال : الشهوة للشيء تبعث على الطلب له . فان قيل : هل يجوز ان يرد الله احداً إلى التكليف بعد ان مات ، وعاين ما يضطره إلى معرفته بالله ؟ قيل : في ذلك خلاف قال ابو علي : لا يجوز ذلك إلا على من لم يضطره الله إلى معرفته وقال بعضهم : يجوز التكليف في الحكمة . وان اضطر إلى المعرفة . وقول ابي علي أقوى . واعل الرماني قول ابي علي ، فان قيل : لما كانت المعرفة لاجل الطاعات التي كلفها العبد كانت هي الغرض الذي يتبعه سائر الطاعات فلو ارتفع الغرض ، ارتفع التابع له . كما ان الغرض في الشرائع الاستصلاح في الاصول التي تجب بالعقل فلو ارتفع ذلك الغرض ، ارتفع وجوب العمل بالشرع . وكما انه لا يجوز تكليف الطاعة مع رفع التمكن مع المعرفة من غير ضرورة اليها قال : ووجه القول الثاني أنه لما كان الشكر على النعمة يجب في المشاهد مع الضرورة إلى معرفة النعم ، كان الشكر للنعمة التي هي اجل من نعمة كل منعم في الشاهد اولى ان تجب مع الاضطرار إلى المعرفة . ولابي علي ان يقول لا نمنع من الوجوب ، لكن لا يجوز التكليف ، لأن الغرض المعرفة . اي هي اصل ما وقع التكليف به للعباد . والذي اقوله : إن الذي يحيى بعد الاماتة ، ان كان لم يخلق له المعرفة الضرورية لم يضطر إليها ، فانه يمتنع تكليفه ، لأن العلم بان الاحياء بعد الاماتة ، لا يقدر عليه غير الله طريقه الدليل وغوامض الاستدلال ، فليس احياؤه بعد الاماتة ما يوجب ان يكون مضطرا إلى معرفته ، فلذلك يصح تكليفه ، وليس الاحياء بعد الاماتة الا كالانتباه من النوم والافاقة بعد الغشية فان ذلك لا يوجب علم الاضطرار . وان فرضنا انه خلق فيه المعارضة ضرورة ، فلا يحسن تكليفه لأن حسن التكليف موقوف على ازاحة علة المكلف من فعل اللطف ، والاقدار وغير ذلك . ومن جملة الالطاف تكليفه للمعرفة . والضرورية لا تقوم مقامها على ما بيناه في الاصول : واذاً لا يحسن تكليفه ، لأنه يصير مكلفا ولم يفعل به ما هو لطف له ، وذلك لا يجوز . وقوله : { لعلكم تشكرون } معناه لكي تشكروا . وهذه لام الغرض . وفيه دليل على فساد قول المجبرة إن الله تعالى ما اراد من الكفار الشكر ، لانه لو اراد كفرهم ، لقال : لتكفروا وذلك خلاف القرآن . ومن استدل بها على جوازها كان صحيحاً ، لان من منع منه واحاله ، فالقرآن يكذبه ، وان استدل به على وجوب الرجعة وحصولها فلا يصح لان احياء قوم في وقت ، ليس بدلالة على احياء آخرين في وقت اخر ، ذلك يحتاج إلى دلالة اخرى . وقول من قال : لا تجوز الرجعة ، لان ذلك معجزة ودلالة على نبوة نبي . وذلك لا يجوز إلا في زمن نبي غير صحيح ، لان عندنا يجوز اظهار المعجزات على يد الائمة والصالحين . وقد بيناه في الاصول . ومن ادعى قيام الحجة بان الخلق لا يردون إلى الدنيا : كما علمنا ان لا نبي بعد نبينا مقترح مبتدع ، لما لا دليل على صحته ، فانا لا نخالف في ذلك وقال البلخي : لا تجوز الرجعة مع الاعلام بها ، لأن فيها اغراء بالمعاصي من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية . قال الرماني : هذا ليس بصحيح من قبل انه لو كان فيها اغراء بالمعصية ، لكان في إعلام التبقية إلى مدة إغراء بالمعصية . وقد أعلم الله تعالى نبيه وغيره ابليس : انه يبقيه إلى يوم يبعثون ولم يكن في ذلك إغراء بالمعصية وعندي ان الذي قاله البلخي ليس بصحيح ، لان من يقول بالرجعة ، لا يقطع على ان الناس كلهم يرجعون ، فيكون ، في ذلك اتكال على التوبة في الرجعة ، فيصير اغراء . فلا احد من المكلفين الا ويجوز ان لا يرجع . وان قطع على الرجعة في الجملة ويجوز ان لا يرجع ، فكفى في باب الزجر . وأما قول الرماني : إن الله تعالى اعلم اقواما مدة مقامهم ، فان ذلك لا يجوز الا فيمن هو معصوم يؤمن من جهة الخطأ كالانبياء ومن يجري مجراهم في كونهم معصومين . فاما من ليس بمعصوم ، فلا يجوز ذلك ، لأنه يصير مغرى بالقبح واما تبقية ابليس مع اعلامه ان يستبقيه إلى يوم القيامة ففيه جوابان . احدهما انه انما وعده قطعاً بالتبقية بشرط الا يفعل القبيح ومن فعل القبيح حق اخترته عقبه . ولا يكون مغرى : والثاني ان الله قد علم انه لا يريد بهذا الاعلام فعلا قبيحا ، وإلا لما كان يفعله ، وفي ذلك اخراجه من باب الاغراء . وقد قيل : إن ابليس قد زال عنه التكليف . وانما امكنه الله من وسوسة الخلق تغليظا للتكليف ، وزيادة في مشاقهم ويجري ذلك مجرى زيادة الشهوات انه يحسن فعلها إذا كان في خلقها تعريض للثواب الكثير الزائد .