Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-4)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرا اهل الكوفه إلا عاصماً " سكرى " بلا الف بسكون الكاف في الموضعين . الباقون { سكارى } . هذا خطاب من الله تعالى لجيمع المكلفين من البشر يأمرهم بأن يتقوا معاصي الله لانه يستحق بفعل المعاصي والاخلال بالواجبات العقوبات يوم القيامة . ثم اخبر { إن زلزلة الساعة } يعني القيامة { شيء عظيم } والزلزلة شدة الحركة على حالة هائلة ، ومنه زلزلة الارض لما يلحق من الهول ، وكان اصله زلت قدمه إذا زالت عن الجهة بسرعة . ثم ضوعف فقيل : زلزل الله اقدامهم ، كما قيل : دكة ودكدكة ، والزلزلة والزلزال - بكسر الزاي - مصدر . والزلزال - بالفتح - الاسم قال الشاعر : @ يعرف الجاهل المضلل ان الدهر فيه النكراء والزلزال @@ وقال علقمه والشعبي : الزلزلة من اشراط القيامة . وروى الحسن في حديث رفعه عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) انها يوم القيامة . والعظيم المختص بمقدار يقصر عنه غيره ، وضده الحقير . والكبير نقيض الصغير . وفي الآية دلالة على أن المعدوم يسمى شيئاً ، لان الله تعالى سمى الزلزلة يوم القيامة شيئاً ، وهي معدومة اليوم . وقوله { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت } قال الفراء والكوفيون : يجوز ان يقال : مرضع بلا هاء ، لأن ذلك لا يكون في الرجال ، فهو مثل حائض وطامث . وقال الزجاج وغيره من البصريين : إذا أجريته على الفعل قلت ارضعت فهي مرضعة ، فاذا قالوا مرضع ، فالمعنى انها ذات رضاع . وقيل في قولهم : حائض وطامت معناه انها ذات حيض وطمث . وقال قوم : اذا قلت : مرضعة ، فانه يراد بها ام الصبي المرضع . واذا اسقطت الهاء ، فانه يراد بها المرأة التي معها صبي مرضعة لغيرها . والمعنى ان الزلزلة هي شيء عظيم ، في يوم ترون فيها الزلزلة ، على وجه { تذهل كل مرضعة } اي يشغلها عن ولدها اشتغالها بنفسها ، وما يلحقها من الخوف . وقال الحسن : تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام ، وتضع الحامل لغير تمام . والذهول الذهاب عن الشيء دهشاً وحيرة ، تقول : ذهلت عنه ذهولا ، وذهلت - بالكسر - ايضاً ، وهو قليل ، والذهل السلوّ ، قال الشاعر : @ صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل @@ وهذا تهويل ليوم القيامة ، وتعظيم لما يكون فيه من الشدة على وجه لو كان هناك مرضعة لشغلت عن الذي ترضعه ، ولو كان هناك حامل لأسقطت من هول ذلك اليوم ، وإن لم يكن هناك حامل ولا مرضعة . وقوله { وترى الناس سكارى وما هم بسكارى } معناه تراهم سكارى من الفزع ، وما هم بسكارى من شرب الخمور . وانما جاز { وترى الناس سكارى ، وما هم بسكارى } ، لانها رواية تخيل . وقيل : معناه كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم ، فيضطربون كاضطراب السكران من الشراب . وقرأ ابو هريرة { وترى الناس } بضم التاء ، والناس منصوب على أنه مفعول ثان . وتقديره وترى أن الناس . وتكون " سكارى " نصباً على الحال . ومن قرأ " سكرى " جعله مثل جرحى وقتلى . وقيل : هما جمعان كسكران وسكرانة ، قال ابو زيد : يقولون : مريض ومراضى ، ومرضى . فمن قرأ " سكرى " فلأن السكر كالمرض والهلاك ، فقالوا : { سكرى } مثل هلكى ومثل عكلى . ومن قرأ " سكارى " فلأنه روي أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قرأ كذلك . ثم علل تعالى ذلك ، فقال ليس هم بسكارى { ولكن عذاب الله شديد } فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم من الاضطراب . ثم اخبر تعالى ان { من الناس من يجادل } أي يخاصم { في الله } فيما يدعوهم اليه من توحيد الله ونفي الشرك عنه { بغير علم } منه بل للجهل المحض { ويتبع } فى ذلك { كل شيطان مريد } يغويه عن الهدى ويدعوه الى الضلال . وذلك يدل على أن المجادل في نصرة الباطل مذموم ، وأن من جادل بعلم ووضع الحجة موضعها بخلافه . و { المريد } المتجرد للفساد . وقيل أصله الملاسة ، فكأنه متملس من الخير ، ومنه صخرة مرداء أي ملساء ، ومنه الأمرد . والمريد الداهية المنكرة . ويقال : تمرد فلان . والممرد من البناء المتطاول المتجاوز . وقوله { كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير } يقول الله تعالى انه كتب في اللوح المحفوظ ان من تولى الشيطان واتبعه واطاعه فيما يدعوه اليه ، فانه يضله . وقال الزجاج : معناه كتب عليه أنه من تولاه يضله ، فعطف ( أن ) الثانية على الأولى تأكيداً ، فلذلك نصبت ( أن ) الثانية . والاكثر فى التأكيد أن لا يكون معه حرف عطف غير انه جائز : كما يجوز : زيد - فافهم - في الدار . وقال قوم : نصبت ( أن ) الثانية ، لان المعنى فلأنه يضله عن طريق الحق { ويهديه إلى عذاب السعير } أي عذاب النار الذي يستعر ويلتهب . والهاء فى { كتب عليه } راجعة الى الشيطان ، وتقديره كتب على الشيطان أنه من تولى الشيطان واتبعه ، فان الشيطان يضله ، فالهاء في يضله عائدة الى ( من ) في قوله { من تولاه } .