Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 139-140)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القراءة ، واللغة : قرأ أهل الكوفة إلا حفصاً { قرح } بضم القاف . والباقون بفتحها . والفرق بينهما أن القرح - بفتح القاف - الجراح ، والقرح - بالضم - ألم الجراح على قول أكثر المفسرين . وقيل هما لغتان . المعنى ، والنزول : وقال ابن عباس ، والحسن ، والربيع : القرح ما أصاب المسلمين يوم أحد وأصاب المشركين يوم بدر . وقال الزهري ، وقتادة ، وابن أبي نجيح : هذه الآية نزلت تسلية للمسلمين لما نالهم يوم أحد من القتل ، والجراح ، وكان سبب نزول الآية ما قدمنا ذكره من أن الله تعالى أراد أن يرعب الكفار ، فأمر المسلمين أن يتبعوا المشركين على ما بهم من الجراح ، والألم وحثهم على ذلك ونهاهم عن الوهن والحزن ، ووعدهم بأنهم الاعلون إن تمسكوا بالايمان ، لأن المشركين كانوا هموا بالعود إلى المدينة ، والغارة فيها ، فلما بلغهم عزيمة المسلمين على تتبعهم خافوهم . وقال بعضهم لبعض يوشك أن يكون انضم إليهم من كان قعد عنهم ، وأعانهم أحلافهم من بني قريظة ، والنضير فدسوا نعيم بن مسعود الأشجعي وبذلوا له عشر قلائص على أن يثبط المسلمين عن تتبعهم ، ويقول : إنهم تجمعوا وانضم إليهم حلفاؤهم ، وهم يريدونكم ولا طاقة لكم بهم ، وأسرعوا المسير إلى مكة فأوحى الله بذلك إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وأعلمه ما قالوا لنعيم ، فلما قال لهم ما قال ، قال المسلمون : { حسبنا الله ونعم الوكيل } وفيهم نزلت الآية { الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم } إلى قوله : { والله ذو فضل عظيم } وما بعده . وإنما قال : { إن كنتم مؤمنين } مع أنهم كانوا مؤمنين للبيان عن ان الايمان يوجب تلك الحال ، وتقديره إن من كان مؤمناً يجب عليه ألا يهن ولا يحزن ، لثقته بالله . ويحتمل أيضاً أن يكون معناه إن كنتم مصدقين بوعدي لكم بنصرتي إياكم حتى تستعلوا على عدوكم ، وتظفروا بهم . اللغة ، والاعراب ، والمعنى : والوهن الضعف ، وهن يهن وهنا ، فهو واهن : إذا ضعف . وأوهنه يوهنه ايهاناً . وتوهن توهناً ، ووهنه توهيناً . والوهن : ساعة تمضي من الليل . والواهن عرق مستبطن حبل العاتق إلى الكتف . وقوله : { وأنتم الأعلون } جملة في موضع الحال ، كأنه قال لا تحزنوا عالين أي منصورين على عدوكم ، ويحتمل أن لا يكون لها موضع من الاعراب ، لأنها اعتراض بوعد مؤكد ، وتقديره { ولا تهنوا ولا تحزنوا } { إن كنتم مؤمنين } { وأنتم } مع ذلك { الأعلون } . وأصل الاعلون الأعلوون ، فحذفت احدى الواوين استثقالا ، وهي الاصلية وبقيت واو الجمع ، لأنها لمعنى . فأما في التثنية فتقول : إنتما الاعليان ، فتقلب الواو ياء ، ولا تحذفها ، لأنه ليس هناك ضرورة . وقوله : { إن يمسسكم } فالمس هو اللمس بعينه ، وقيل الفرق بينهما أن اللمس لصوق باحساس والمس لصوق فقط وقال ابن عباس : معناه إن يصبكم . وقوله : { وتلك الأيام نداولها بين الناس } قال الحسن ، وقتادة ، والربيع ، والسدي ، وابن اسحاق : يصرفها مرة لفرقة ، ومرة عليها ، والدولة : الكرة لفرقة بنيل المحبة . وادال الله فلاناً من فلان : إذا جعل الكرة له عليه . وقال الحجاج : إن الارض ستدال منا كما ادلنا منها ، { ونداولها } إنما هو بتخفيف المحنة تارة وتشديدها أخرى بدليل { إن الله لا يحب الظالمين } ولو كانت المداولة بالنصر لا محالة ، للمؤمنين تارة وللكافرين تارة ، لكان محبهم من حيث هو ناصر لهم ، والعامل في قوله ، وليعلم الله يحتمل أمرين : أحدهما - ان يكون محذوفاً يدل عليه أول الكلام ، وتقديره وليعلم الله الذين آمنوا نداولها . الثاني - أن يعمل فيه { نداولها } الذي في اللفظ ، وتقديره نداولها بين الناس لضروب من التدبير { وليعلم الله الذين آمنوا } وخبر ليعلم يحتمل أمرين : أحدهما - أن يكون محذوفاً وتقديره { وليعلم الله الذين آمنوا } متميزين بالايمان من غيرهم ، ولا يكون على هذا يعلم بمعنى يعرف ، لأنه ليس المعنى على تعرف الذوات بل المعنى على أن يعلم تميزها بالايمان . والثاني - { وليعلم الله الذين آمنوا } بما يظهر من صبرهم على جهاد عدوهم أي يعاملهم معاملة من يريد أن يعرفهم الله بهذه الحال . وقال أبو علي : معناه وليصبروا فعبر عن الصبر بالعلم . وقال البلخي { وليعلم الله } ايمانكم موجوداً أي تفعلونها ، فيعلمه الله كذلك . ومعنى قوله : { ويتخذ منكم شهداء } فيه قولان : أحدهما - قال الحسن ، وقتادة ، وابن اسحاق ، ليكرم بالشهادة من قتل يوم أحد . الثاني - ويتخذ منكم شهداء على الناس بما يكون منهم من العصيان ، لما لكم فيه من التعظيم ، والتبجيل - هذا قول البلخي والجبائي - والأول أقوى لأنه في ذكر القتل ، فان قيل لم جعل الله مداولة الايام بين الناس ، وهلا كانت ابداً لأولياء الله دون أعدائه ؟ قلنا ذلك تابع للمصلحة ، وما تقتضيه الحكمة أن يكونوا تارة في شدة وتارة في رخاء فيكون ذلك داعياً لهم إلى فعل الطاعة ، واحتقار الدنيا الفانية المنتقلة من قوم إلى قوم حتى يصير الغني فقيراً ، والفقير غنياً ، والنبيه خاملا ، والخامل نبيهاً ، فتقل حينئذ الرغبة فيها والحرص على جمعها ، ويقوي الحرص على غيرها مما نعيمه دائم ، وسروره غير منقطع . وقوله : { والله لا يحب الظالمين } معناه لا يريد منافعهم ، وعلى مذهبنا ينبغي أن يكون ذلك مخصوصاً بالكفار ، لأنهم إذا كانوا مؤمنين ، فلهم ثواب . والله تعالى لا بد أن يريد فعل ذلك بهم ويحتمل أن يكون المراد بذلك { لا يحب الظالمين } إذا كانوا مؤمنين محبة خالصة لا يشوبها إرادة عقابهم ، لأن ذلك يختص من لا عقاب عليه .