Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 51-55)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ست آيات مدني وخمس في ما عداه عد المدني { يقسم المجرمون } ولم يعده الباقون . قرأ ابن كثير { ولا تسمع } بفتح التاء { الصم } رفعاً الباقون - بضم التاء - { الصم } نصباً . وهذا مثل ضربه الله للكفار ، والمعنى كما إنك يا محمد لا تسمع الميت لتعذر استماعه فكذلك لا تسمع الكفار . والمعنى انه لا ينتفع بسماعه ، لانه لا يعمل به ، فاذا كان كذلك فالمعنيان متقاربان ، لان المعنى إنك لا تسمع الكافر ما في القرآن من حكمة وموعظة ، كما لا تسمع الاصم المدبر عنك . وضم التاء ونصب الميم أحسن لتشاكل ما قبله من اسناد الفعل اليك أيها المخاطب وحكم المعطوف يجب ان يكون مشاكلاً حكم المعطوف عليه . وقرأ عاصم وحمزة { من ضعف } بفتح الضاد في الثلاثة . الباقون بالضم فيهن ، وهما لغتان . يقول الله سبحانه { ولئن أرسلنا ريحاً } مؤذنة بالهلاك { فرأوه مصفراً } فالهاء يجوز أن يكون كناية عن السحاب ، وتقديره فرأوا السحاب مصفراً لأنه إذا كان كذلك كان غير ممطر ، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى الزرع ، وتقديره ، فرأوا الزرع مصفراً - والثاني قول الحسن - وجواب لئن في الشرط أغنى عنه جواب القسم ، لأن المعنى ليظلن كما أن { أرسلنا } بمعنى أن يرسل فجواب القسم قد ناب عن الأمرين . وكان أحق بالحكم لتقدمه على الشرط ولو تقدم الشرط لكان الجواب له ، كقولك : ان أرسلنا ريحاً ظلوا والله يكفرون . و ( الاصفرار ) لون بين الحمرة والبياض ، وهو من النبات الذي يصفر بالربح للجفاف ويحول عن حال الأخضرار ، فيصير إلى الهلاك ويقنط صاحبه الجاهل بتدبير ربه في ما يأخذ به من الشدة بأمره تارة والرخاء أخرى ليصح التكليف بطريق الترغيب والترهيب ، ومعنى ( ظل يفعل ) أي جعل يفعل في صدر النهار ، وهو الوقت الذي فيه إلى ظل الشمس . و ( أضحى يفعل ) نظير ظل يفعل إلا أنه كثر حتى صار بمنزلة ( جعل يفعل ) . ثم قال لنبيه { إنك } يا محمد { لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } شبه الكفار في ترك تدبرهم لما يدعوهم اليه النبي صلى الله عليه وآله تارة بالأموات وتارة بالصم ، لأنهم لا ينتفعون بدعاء داع ، لانهم لا يسمعونه ، وكذلك من يسمع ولا يصغى ولا يفكر فيه ، ولا يتدبره فكأنه لم يسمعه . وقوله { إذا ولوا مدبرين } معناه إذا أعرضوا عن أدلتنا وعن الحق ذاهبين إلى الضلال غير طالبين لسبيل الرشاد . ولذلك لزمهم الذم وصفة النقص . وقوله { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } معناه ليس في هؤلاء حيلة أن يقبلوا الهداية فصار العمي بالضلال صنفين احدهما - يطلب الهداية فهو يجدها عندك . والآخر لا يطلب الهداية ، فليس فيه حيلة . ثم قال { إن } يعني ليس تسمع إلا من يصدق بآياتنا وأدلتنا لانهم المنتفعون بدعائك واسماعك { فهم مسلمون } لك ما تدعوهم اليه . ثم قال { الله الذي خلقكم من ضعف } وفيه لغتان - الضم ، والفتح - مثل الفقر والفقر ، والكره والكره ، والجهد والجهد ، والمعنى انه خلقهم ضعفاء لانهم كانوا نطفاً ، فحولهم إلى أن صاروا أحياء أطفالا لا قدرة لهم { ثم جعل } لهم { من بعد ضعف } أي من بعد هذا الضعف { قوة } إذا شبوا وترعرعوا وكملوا { ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة } في حال الشيخوخة والشيب { يخلق ما يشاء } كيف يشاء { وهو العليم } بما فيه مصالح خلقه قادر على فعله فهو يفعل بحسب ما يعلمه من مصالحهم . ثم اخبر تعالى عن حال الكفار أنهم { يوم تقوم الساعة يقسم المجرمون } انهم { ما لبثوا غير ساعة } وقيل : في قسمهم بذلك مع أن معارفهم ضرورية قولان : احدهما - قال ابو بكر بن الاخشاد : ذلك يقع منهم قبل اكمال عقولهم . ويجوز قبل الالجاء ان يقع منهم قبيح . والثاني - قال الجبائي : ان المراد أنه منذ ما انقطع عنا عذاب القبر { كذلك كانوا يؤفكون } أي يكذبون لأنه اخبار عن غالب الظن بما لا يعلمون قال : ولا يجوز أن يقع منهم القبيح في الآخرة ، لان معارفهم ضرورة . وقيل : { كذلك كانوا يؤفكون } في دار الدنيا ويجحدون البعث والنشور مثل ما حلفوا أنهم لم يلبثوا إلا ساعة ، قال الفراء : وتقديره كما كذبوا في الدنيا بالبعث كذلك يكذبون بقولهم ما لبثنا غير ساعة . ومن استدل بذلك على نفي عذاب القبر فقد أبطل ، لأن المراد أنهم ما لبثوا بعد انقطاع عذاب القبر إلا ساعة .