Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 16-20)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ ابو عمرو { ذواتي أكل خمط } مضافاً . الباقون { أكل خمط } منوناً . والاختيار عندهم التنوين ، لأن الأكل نفس الخمط والشيء لا يضاف إلى نفسه ، ومن أضاف قال ( الخمط ) هو جنس مخصوص من المأكولات ، والأكل أشياء مختلفة فأضيفت إلى الخمط ، كما تضاف الأنواع إلى الاجناس ، والخمط ثمر الاراك وهو البربر أيضاً ، واحدها بربرة وسميت به جارية عائشة . والبربر شجر السواك و ( الأثل ) شجر ، واحدها أثلة . وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { وهل نجازي } بالنون { إلا الكفور } نصباً أضافوا الفعل إلى الله تعالى . الباقون - بالياء - على ما لم يسم فاعله { الكفور } بالرفع ، وقرأ ابو عمرو وابن كثير { بعد بين أسفارنا } بالتشديد من التبعيد . الباقون { باعد } من المباعدة على لفظ الأمر ، إلا يعقوب ، فانه قرأ { باعد } على لفظ الخبر ، لانهم لما سألوا أن يبعد الله بينهم ، ففعل ذلك بينهم جاز حينئذ الاخبار بأنه تعالى فعل ذلك . وقرأ اهل الكوفة { ولقد صدق } بتشديد الدال . الباقون بتخفيفها . لما اخبر الله سبحانه عن " سبأ " وهي القبيلة من اليمن انه أنعم عليهم بالجنتين وبالبلدة الطيبة ، وأمرهم بشكر نعمه { فأعرضوا } عن ذلك ، فلم يشكروه وكفروه وجحدوا نعمه ، ولم يقبلوا ممن دعاهم إلى الله من أنبيائه ورسله جازاهم الله على ذلك بأن ارسل عليهم سيل العرم ، وسلبهم تلك النعمة وانزل بهم البلية ، فالسيل الماء الكثير الذي لا يمكن ضبطه ولا دفعه ، وقيل : انه كانت تجتمع مياه وسيول في هذا الوادي فسدوه بين جبلين بالحجارة والقار وجعلوا له ابواباً يأخذون منه ما شاءوا ، فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذاً فنقبه فأغرق الله عليهم جنتهم وأفسد ارضهم . وقيل : العرم : ماء كثير ارسله الله في السد فشقه وهدمه . قال الراجز : @ اقبل سيل جاء من أمر الله يحرد حرد الجنة المغله @@ وقيل : ان العرم المسناة التي تحبس الماء ، واحدها عرمة وهو مأخوذ من عرامة الماء وهو ذهابه كل مذهب ، قال الاعشى : @ ففي ذاك للمؤتسي اسوة ومأرب قفى عليه العرم رجام بنته لهم حمية إذا جاء ماؤهم لم ترم @@ وقيل : كان سببه زيادة الماء حتى غرقوا . وقيل : كان سببه نقب جرذ نقب عليهم السكر . وقيل العرم السكر . وقيل المطر الشديد . وقيل هو اسم وادي وقيل : هو الجرذ الذي نقب السكر ، قال كثير : @ ايادي سبا يا عزّ ما كنت بعدكم فلم يحل للعينين بعدك منظر @@ وقال آخر : @ من صادر او وارد ايدي سبا @@ وقال جرير : @ الواردون وتتم في ذرى سبأ قد عض اعناقهم جلد الجواميس @@ ثم قال { وبدلناهم بجنتيهم } التي فيها أنواع الفواكه والخيرات { جنتين } أخراوين وسماها جنتين لازدواج الكلام ، كما قال { ومكروا ومكر الله } و { يخادعون الله وهو خادعهم } { ذواتي أكل خمط } أي صاحبتي خمط فالاكل جني الثمار الذي يؤكل ، والخمط نبت قد أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله - في قول الزجاج - وقال ابو عبيدة هو كل شجر ذي شوك . وقال ابن عباس والحسن : هو شجر الاراك ، وهو معروف . والاثل الطرفا قال قتادة : بدلوا بخير الشجر شر الشجر ، فالخمط شجر له ثمر مر . والاثل ضرب من الخشب كالطرفا ، إلا انه أكبر . وقيل : الاثل التمر { وشيء من سدر قليل } أي فيهما مع الخمط ، والاثل قليل من السدرة . ثم قال { ذلك جزيناهم بما كفروا } في نعم الله { وهل نجازي } بهذا الجزاء { إلا الكفور } من كفر نعم الله ، فمن قرأ بالنون فلقوله { جزيناهم } . ولا يمكن الاستدلال بذلك على أن مرتكب الكبيرة كافر من حيث هو معذب ، لأن الله تعالى بين أنه لا يجازي بهذا النوع من العذاب الذي هو الاستئصال إلا من هو كافر ، وإن جاز أن يعذب الفاسق بغير ذلك من العذاب . وقال الفراء : المجازاة المكافأة ، ومن الثواب الجزاء ، تقول : جازاه على معصيته ، وجزاه على طاعته . وقال غيره : لا فرق بينهما . ثم بين تعالى انه جعل بين سبأ ، وبين القرى التي يارك فيها . قال قتادة ومجاهد : هي قرى الشام ، وقال ابن عباس : هي بيت المقدس { قرى ظاهرة } قال قتادة : معناه متواصلة ، لانه يظهر الثانية من الأولى لقربها منها { وقدرنا فيها السير } معناه جعل بين القرية الأولى والثانية مسيرة يوم لراحة المسافر ونزوله فيها { سيروا فيها ليالي وأياماً آمنين } لا تخافون جوعاً ولا عطشاً ولا ظلماً من أحد ، كأنه قيل لهم سيروا كذا ، فقالوا { ربنا باعد بين أسفارنا } معناه إنهم نظروا وملوا النعمة ، فقالوا لو كان جني ثمارنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه ، كما قالت بنو إسرائيل { فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها } بدلا من المن والسلوى { وظلموا أنفسهم } بارتكاب المعاصي { فجعلناهم أحاديث } فضرب بهم المثل فيقال ( تفرقوا أيادي سبأ ) أي تشتتوا أعظم التشتت قال الشعبي : أما غسان فلحقوا بالشام ، وأما الانصار فلحقوا بيثرب ، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة ، وأما الازد فلحقوا بعمان . وقيل : معنى { جعلناهم أحاديث } أي أهلكناهم والهمنا الناس حديثهم ليعتبروا { ومزقناهم كل ممزق } قال ابن عباس : مزقوا بين الشام وسبأ كل ممزق . ثم قال تعالى { إن } في ما ذكر { لآيات } ودلالات { لكل صبار شكور } أي صبار على الشدائد شكور على النعماء . ثم قال تعالى { ولقد صدق عليهم إبليس } صدق { ظنه } فيهم باجابتهم إلى معصية الله وقبولهم منه { فاتبعوه } باجمعهم { إلا فريقاً من المؤمنين } العارفين بالله وبوحدانيته ، فخالفوه فلم يتبعوه . فمن شدد ( صدق ) اسند الفعل إلى إبليس وجعل الظن المفعول به ، لان إبليس لما قال تظننا { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } فلما تبعه قوم على ذلك صدق ظنه . ومن خفف فالمعنى مثله ، لانهما لغتان يقال : صدقت زيداً وصدقته ، وكذبته وكذبته وينشد : @ وصدقتني وكذبتني والمرء ينفعه كذابه @@ وقرأ ابو الهجهاج { إبليس } بالنصب { ظنه } بالرفع جعل الظن الفاعل وإبليس المفعول به ، وذلك جائز عند النحويين . لانهم يقولون : صدقني ظني وكذبني إلا انه شاذ لا يقرأ به ، وقيل : ان إبليس لما اغوى آدم قال ذريته أولى بأن أغويهم ، وقال { لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } قصدق ذلك ظنه حتى تابعوه . وقال { فبعزتك لأغوينهم أجمعين } وكانت أجابتهم له تصديقاً لظنه .