Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 6-11)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي { إن يشأ يخسف بهم } بالياء كناية عن الله تعالى أنه إن شاء خسف . الباقون بالنون كناية على انه إخبار منه تعالى عن نفسه . يقول الله تعالى مخبراً أن الذين أوتوا العلم والمعرفة بوحدانية الله تعالى . قال قتادة : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وقال غيره : يجوز أن يكون المراد كل من أوتي العلم بالدين ، وهو الاولى ، لانه أعم { الذي أنزل إليك من ربك } يعني القرآن { هو الحق } فـ { الذي } في موضع نصب بأنه المفعول بـ { يرى } وقوله { هو } فصل ، ويسميه الكوفيون عماداً ، قال الشاعر : @ ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى والشيب كان هو البدء الاول @@ أنشده الكسائى على أن { هو } الاول عماد والثاني اسم . و { الحق } هو المفعول الثاني ، و { يرى } في الآية بمعنى { يعلم } وموضعه يحتمل أن يكون نصباً عطفاً على { ليجزي } ويحتمل ان يكون رفعاً بالاستئناف ، وإيتاء العلم اعطاؤه إما بخلق العلم او بنصب الادلة المسببة له ، فهو لطف الله تعالى لهم بما أداهم إلى العلم ، فكان كأنه قد أتاهم { الذي أنزل إليك } يعني القرآن وما أنزله الله عليه من الاحكام يعلمونه حقاً صحيحاً لمعرفتهم بالله وآياته الدالة على صدق نبيه { ويهدي } يعني القرآن ويرشد إلى { صراط العزيز الحميد } يعني إلى دين الله القادر الذي لا يغالب ، والحميد يعني المحمود على جميع أفعاله ، وهو الله تعالى . ثم حكى ان الكفار يقول بعضهم لبعض { هل ندلكم على } ونرشدكم إلى { رجل ينبئكم } أي يخبركم { إذا مزقتم كل ممزق } أي مزقت أعضاؤكم بعد الموت ، وصرتم تراباً ورميماً { إنكم لفي خلق جديد } ابتداء بأن لم يعمل فيها { ينبئكم } لانه لو أعمل فيها لنصبها ، يعيدكم ويحييكم ، ويقولون : هذا على وجه الاستبعاد له والتعجب من هذا القول . ومعنى { مزقتم } بليتم وتقطعت أجسامكم . والعامل في ( إذ ) يقول - في قول الزجاج - وتقديره هل ندلكم على رجل يقول لكم إنكم إذا مزقتم تبعثون ، ويكون { إذا } بمعنى الجزاء تعمل فيها التي تليها ، قال قيس : @ إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى اعدائنا فنضارب @@ والمعنى يكن وصلها ، فلذلك جزم فنضارب . وقيل العامل فيه معنى الجملة كأنه قيل : يجدد خلقكم ، ولا يجوز أن يعمل فيه ما بعد لام الابتداء ، ولا ما بعد ان لانها حروف لا تتصرف في نفسها ولا في معمولها . وقوله { أفترى على الله كذباً } قال قوم : اسقط ألف الاستفهام من { أفترى } لدلالة { أم } عليه . وقال الرماني : هذا غلط ، لأن الف الاستفهام لا تحذف إلا في ضرورة وإنما القراءة بقطع الألف ، فألف الاستفهام ثابتة وألف ( افتعل ) سقطت ، لأنها زائدة ، ومثله قوله { بيدي أستكبرت } وقوله { أصطفى البنات } وقوله { سواء عليهم أستغفرت لهم } ونظائره كثيرة . ولم يفصل بينها بمدة لان الثانية مكسورة ففارق همزة { آلله خير أما يشركون } ولو لم تقطع لكان خبراً بعده استفهام ، والمعنى إن هؤلاء الكفار الذين يتعجبون من قول النبي صلى الله عليه وآله إن الله يعيد الخلق بعد اماتتهم خلقاً جديداً ، هل كذب على الله متعمداً { أم به جنة } يعنون جنوناً فيتكلم بمالا يعلم فقال الله تعالى ليس كما يقولون : { بل الذين لا يوقنون } أي لا يصدقون بالآخرة وبما فيها من الثواب والعقاب { في العذاب والضلال البعيد } يعني العدول البعيد عن الحق ، فلذلك يقولون ما يقولون ، بل نبههم على صحة ما يقول النبي صلى الله عليه وآله من الاعادة فقال { أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض } فيفكروا فيه ويعتبروا به وإن الله تعالى خلقه واخترعه وأنه { إن نشأ نخسف بهم الأرض } من تحت أرجلهم { أو نسقط عليهم كسفاً } يعني قطعة من السماء ثم قال { إن في ذلك لآية } ودلالة { لكل عبد منيب } أي راجع إلى الله تعالى . ووجه التنبيه بالآية أن ينظروا فيعلموا أن السماء تحيط بهم ، والارض حاملة لهم ، فهم في قبضتنا { إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم السماء } أفما يحذرون هذا فيرتدعون عن التكذيب بآيات الله . و ( المنيب ) المقبل التائب - في قول قتادة - . ثم اخبر تعالى فقال { ولقد آتينا داود } يعني أعطاه { منا فضلا } من عند الله . وقيل : معناه النبوة . وقيل : الزبور . وقيل : حسن الصوت . وقيل : هو ما فسره أي قلنا { يا جبال أوبي معه } ومعناه أنه نادى الجبال وأمرها بأن أوبي معه أي ارجعي بالتسبيح معه ، قال الشاعر : @ يومان يوم مقامات واندية ويوم سير إلى الاعداء تأويب @@ أي رجوع بعد رجوع . وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك : أمر الله الجبال أن تسبح معه إذا سبح { والطير } في نصبه وجهان : أحدهما وسخرنا الطير والثاني - بالعطف على موضع المنادى الاول كما قال الشاعر : @ ألا يا زيد والضحاك سيرا [ فقد جاوزتما حد الطريق ] @@ والاول أقوى عندهم لان الحمل على لفظة المنادى أشكل . ويكون كقولهم ( أطعمتها تبناً وماء بارداً ) أي وسقيتها . وقيل معنى { أوبي } سيري معه حيث شاء ، وليس المعنى إن الله خاطب الجبال ، وهي جماد بذلك ، بل المراد أنه فعل في الجبال ما لو كانت حية قادرة لكان يتأني منها ذلك . وقوله { وألنا له الحديد } قال قتادة : كان الحديد في يده مثل الشمع يصرفه كيف يشاء من غير نار ولا تطريق . ثم قال وقلنا له { أن اعمل سابغات } وهي الدروع التامة والسابغ التام من اللباس ، ومنه اسباغ النعمة إتمامها ، وثوب سابغ تام { وقدر في السرد } معناه لا تجعل الحلقة واسعة لا تقي صاحبها وسرد الحديد نظمه . وقيل : السرد حلق الدرع - في قول ابن عباس وابن زيد - قال الشاعر : @ اجاد السدي سردها وأدالها @@ وقال قتادة : السرد المسامير التي في حلق الدرع ، وهو مأخوذ من سرد الكلام سرده يسرده سرداً إذا تابع بين بعض حروفه وبعض كالتابعة في الحلق والمسامير ، ومنه السرد للطعام وغيره للاستتباع في خروج ما ليس منه ، قال الشاعر : @ وعليهما مسرودتان قضاهما داود او صنع السوابغ تبع @@ ويقولون : درع مسرودة أي مسمورة الحلق . وقيل : معنى { وقدر في السرد } عدل المسمار في الحلقة لا يدق فينكسر او يغلظ فيفصم ، ذكره مجاهد والحكم . { واعملوا صالحاً } أمر لهم بأن يعملوا الاعمال الحسنة التي ليست قبيحة وما يكون بفعله مطيعاً لله { إني بما تعملون بصير } أي عالم بما تفعلونه ، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، فالبصير العليم بالامور بما يتبين في تميزه بعضه من بعض وكان الكسائي يدغم الفاء في الباء في قوله { إن نشأ نخسف بهم } وهذا لا يجوز عند البصريين ، لان الفاء من باطن الشفة العليا ، واطرف الثنايا العليا ، والباء يخرج من بين الشفتين ، ولان الفاء فيه نفس ، فاذا أدغم في الباء بطل ، وأيضاً فهو من مخرج التاء ، فكما لا يجوز ادغامه في التاء ، فكذلك لا يجوز ادغامه في الباء ، وأجاز ذلك الفراء . وأما إدغام التاء في الفاء ، فلا خلاف فيه .