Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-5)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ حمزة والكسائي { هل من خالق غير الله } جراً على أنه صفة لـ { خالق } الباقون - بالرفع - على تقدير هل من خالق هو غير الله ، ويجوز ان يكون التقدير : هل غير الله من خالق ، ويجوز أن يكون رفعاً على موضع { من } وتقديره هل خالق غير الله . يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله قل يا محمد { الحمد لله } أي الشكر له على جميع نعمه { فاطر السماوات والأرض } أي خالقهما ومخترعهما . والفطر الشق عن الشيء باظهاره للحس ، ومعنى فطر السموات والارض أي خلقهما وأظهرهما للحس بعد ان لم تكونا ظاهرتين ، وروي عن ابن عباس أنه قال : ما كنت أدري ما معنى فطر السموات حتى احتكم إلي اعرابيان في بئر ، فقال أحدهما أنا فطرتها ، أي اخترعتها وابتدأتها . ومن كان خالق السموات والأرض لا يفعل إلا ما يستحق به الشكر والحمد ، لأنه غني حكيم ، فلا يعدل عما يستحق به الحمد إلى ما لا يستحق به ذلك . وقوله { جاعل الملائكة رسلاً } أي جعل الملائكة رسلا بعضهم إلى بعض وبعضهم إلى البشر . ثم ذكر اوصافهم وهو أنهم { أولي اجنحة } أي اصحاب اجنحة { مثنى وثلاث ورباع … } أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة واربعة اربعة ، فهذه الألفاط معدولة عن الاثنين والثلاث والاربع ، مع انها صفات فلذلك ترك صرفها قال الشاعر : @ ولكنما اهلي بواد أنيسه ذئاب تبغي الناس مثنى وموحد @@ وإنما جعلهم أولي أجنحة ، ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الارض ، قال قتادة : منهم من له جناحان ، ومنهم من له ثلاثة ومنهم من له أربعة ، ثم قال { يزيد في الخلق ما يشاء } قيل حسن الصوت وقيل من الأجنحة من حيث خلق للملائكة زيادة عما خلق لسائر الخلق من البشر والامم . فان قيل : الطائر لا يحتاج إلى اكثر من جناحين فما معنى خلق الملائكة أولي ثلاث واربع ؟ قيل : يجوز أن يكون كل جناح بعلوه باثنين ، ويجوز أن يكون للزينة الزائدة ، وقد يكون للسمكة أجنحة في ظهرها . ثم بين { أن الله على كل شيء قدير } أي لا شيء إلا وهو تعالى قادر عليه بعينه او قادر على مثله . ثم قال تعالى { ما يفتح الله للناس من رحمة } معنى ( ما ) الذي وتقديره الذي يفتح الله للناس من نعمة ورحمة { فلا ممسك لها وما يمسك } من نعمة على خلقه { فلا مرسل له من بعده } أي من بعد الله { وهو العزيز } يعني القادر الذي لا يقهر { الحكيم } في جميع افعاله ، إن انعم وإن امسك ، لأنه عالم بمصالح خلقه لا يفعل إلا ما لهم فيه مصلحة في دينهم او دنياهم . ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم } بأن خلقكم وأوجدكم وأحياكم وأقدركم وشهاكم ، وخلق لكم المنافع التي تنتفعون بها { هل من خالق غير الله } تقريراً لهم على انه لا خالق غير الله في السموات والأرض { يرزقكم من السماء } بالمطر ومن { الأرض } بالنبات { لا إله إلا هو } أي لا معبود يستحق العبادة سواه تعالى { فأنى تؤفكون } أي كيف تقلبون عن طريق الحق إلى الضلال . وانما قال { هل من خالق غير الله } وإن كان احدنا يخلق الشيء لأن هذه الصفة لا تطلق إلا عليه تعالى ، فاما غيره فانها تقيد له . وايضاً فقد فسر ما أراد وهو أنه هل من خالق رازق للخلق من السموات والأرض غير الله أي لا خالق على هذه الصفة إلا هو . هذا صحيح لأنه لا احد يقدر على ان يرزق غيره من السماء والأرض بالمطر والنبات وأنواع الثمار . ثم قال تعالى تعزية للنبي صلى الله عليه وآله وتسلية له عن تكذيب قومه إياه { وإن يكذبوك } يا محمد هؤلاء الكفار { فقد كذبت رسل من قبلك } أرسلهم الله فكذبوهم ولم يقبلوا منهم فلك اسوة بمن كان قبلك { وإلى الله ترجع الأمور } يعني ترد الأمور إلى حيث لا يملك التصرف فيها مطلقاً غير الله يوم القيامة . ثم خاطب الخلق فقال { يا أيها الناس إن وعد الله حق } يعني ما وعدهم به من البعث والنشور والجنة والنار صحيح كائن لا محالة { فلا تغرنكم الحياة الدنيا } فتغترون بملاذها وزينتها وتتركون ما امركم الله به وترتكبون ما نهاكم عنه { ولا يغرنكم بالله الغرور } فالغرور هو الذي عادته ان يغر غيره ، والدنيا وزينتها بهذه الصفة ، لأن الخلق يغترون بها ، وقال الحسن الغرور الشيطان الذى هو إبليس ، وهو قول مجاهد . والرزق يطلق على وجهين : احدهما - ان الله جعله يصلح للغذاء يتغذى به الحيوان وللملبس يلبسونه فالعباد من هذا الوجه لا يأكلون ولا ينتفعون إلا بما جعله الله رزقاً لهم . والثاني - انه ملكه الله وحكم انه له فهم يتظالمون من هذا الوجه .