Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 26-29)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قرأ يحيى عن ابي بكر { لتدبروا } بالتاء وتقديره لتتدبروا من التدبر فحذف تاء الفعل وبقي تاء المضارعة ، وتقديره : لتتدبر انت يا محمد والمسلمون ومن قرأ بالياء ، فعلى ليتدبر المسلمون فيتقرر عندهم صحتها وتسكن أنفسهم إلى العلم بها . لما اخبر الله تعالى عن داود انه رجع اليه وتاب واستغفر ربه عن التقصير الذي وقع منه في الحكم ، وانه تعالى غفر له ذلك وأجاب دعوته ، ووعده بالزلفى عنده والقربة من ثوابه ناداه ايضاً فقال له { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } والخليفة هو المدبر للامور من قبل غيره بدلا من تدبيره ، فداود لما جعل الله اليه تدبير الخلق فكان بذلك خليفة ، ولذلك يقال : فلان خليفة الله في أرضه إذا جعل اليه تدبير عباده بأمره . وقيل : معناه جعلناك خليفة لمن كان قبلك من رسلنا . ثم أمره فقال { فاحكم بين الناس } ومعناه افصل بين المختلفين من الناس والمتنازعين { بالحق } بوضع الاشياء مواضعها على ما أمرك الله { ولا تتبع الهوى } أي ما يميل طبعك اليه ويدعوك هواك اليه إذا كان مخالفاً للحق ، فلا تمل اليه { فيضلك عن سبيل الله } ومعناه انك متى اتبعت الهوى في ذلك عدل بك الهوى عن سبيل الله الذي هو سبيل الحق . ثم اخبر تعالى { إن الذين يضلون عن سبيل الله } يعني يعدلون عن العمل بما أمرهم الله به { لهم عذاب شديد } يعني شديد ألمه { بما نسوا يوم الحساب } وقيل في معناه قولان : احدهما - لهم عذاب شديد يوم الحساب بما تركوا طاعاته في الدنيا ، فعلى هذا يكون يوم الحساب متعلقاً بـ { عذاب شديد } وهو قول عكرمة والسدي : الثاني - قال الحسن { لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب } أي بما اعرضوا عنه ، صاروا بمنزلة الناسي ، فيكون على هذا العامل في { يوم } قوله { نسوا } . ثم اخبر تعالى انه لم يخلق السماء والأرض وما بينهما باطلا ، بل خلقهما وما بينهما بالحق لغرض حكمي ، وهو ما في ذلك من إظهار الحكمة وتعريض انواع الحيوان للمنافع الجليلة وتعويض العقلاء لمنافع الثواب ، وذلك يفسد قول المجبرة الذين قالوا : إن كل باطل وضلال من فعل الله . وقوله { ذلك ظن الذين كفروا } معناه إن خلق السماء والارض وما بينهما باطلا ظن من يكفر بالله ويجحد وحدانيته وحكمته ، ثم توعد من هذه صفته فقال { فويل للذين كفروا من النار } ثم قال على وجه التوبيخ والتقريع للكفار بلفظ الاستفهام { أم نجعل الذين آمنوا … } معناه هل نجعل الذين صدقوا بالله وأقروا برسله وعملوا الصالحات مثل الذين أفسدوا في الارض وعملوا بالمعاصي ؟ ! ام هل نجعل الذين اتقوا معاصي الله خوفاً من عقابه كالفجار الذين عملوا بمعاصيه وتركوا طاعته ؟ ! فهذا لا يكون ابداً . وكيف يكون كذلك وهؤلاء يستحقون الثواب بطاعتهم وأولئك يستحقون العقاب بمعاصيهم . وقال ابو عبيدة : ليس لها جواب استفهام فخرجت مخرج الوعيد . وقال الزجاج : تقديره ، أنجعل الذين آمنوا وعموا الصالحات كالمفسدين في الارض أم نجعل المتقين كالفجار ، فهو استفهام بمعنى التقرير . ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { كتاب أنزلناه إليك مبارك } أي هذا كتاب انزلناه ، يعني القرآن الذي أنزله الله عليه ، ووصفه بأنه مبارك ، لان به يستديم الناس ما أنعم الله عليهم به ، وبين أن غرضه تعالى بانزال هذا القرآن { ليدبروا آياته } بأن يتفكروا في أدلته { وليتذكر أولو الألباب } يعني أولو العقول . وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة في خلق القبائح من حيث بين الله انه يعاقبهم جزاء بما نسوا طاعاته في الدنيا . وقوله { ذلك ظن الذين كفروا } يدل على فساد قول من يقول : ان المعارف ضرورة ، لانهم لو كانوا عارفين ضرورة لما كانوا ظانين .