Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 171-171)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا خطاب من الله تعالى لاهل الكتاب الذي هو الانجيل وهم النصارى نهاهم الله ( تعالى ) ان يغلوا في دينهم بان يجاوزوا الحق فيه ، ويفرطوا في دينهم ، ولا يقولوا في عيسى غير الحق ، فان قولهم في عيسى أنه ابن الله قول بغير الحق ، لانه ( تعالى ) لم يتخذ ولداً فيكون عيسى أو غيره من خلقه ابناً له ، ونهاهم أن يقولوا على الله . الا الحق ، وهو الاقرار بتوحيده ، وانه لا شريك له ولا صاحبة ولا ولد . واصل الغلو في كل شيء تجاوز حده يقال : غلا فلان في الدين يغلو غلواً . وغلا بالجارية عظمها ولحمها : إذا انسرعت الشباب ، وتجاوزت لذاتها . يغلو بها غلواً وغلاء قال الحارث بن خالد المخزومي : @ خمصانة فلق موشحها رود الشباب غلا بها عظم @@ وقوله : انما المسيح عيسى بن مريم ، فأصل المسيح المموح - نقل من مفعول إلى فعيل . سماه الله بذلك لتطهيره إياه من الذنوب ، وقيل مسح من الذنوب والادناس التي تكون في الادميين كما يمسح الشيء من الاذى الذي يكون فيه . وهو قول مجاهد . وقال ابو عبيدة : هذه الكلمة عبرانية أو سريانية مشيحاً ، فعربت فقيل المسيح ، كما عرب سائر أسماء الانبياء في القرآن ، نحو اسماعيل واسحاق وموسى وعيسى . وقال قوم ليس هذا مثل ذلك ، لان اسماعيل واسحاق وما اشبههما اسماء ، لا صفات . والمسيح صفة ولا يجوز ان يخطب العرب وغيرها من اجناس الخلق في صفة شيء إلا بما يفهم ، فعلم بذلك انها كلمة عربية وقال ابراهيم : المسيح المسيح الصديق واما المسيح الدجال فانه ايضاً بمعنى الممسوح العين صرف من مفعول إلى فعيل فمعنى المسيح في عيسى ( ع ) الممسوح البدن من الادناس والآثام . ومعنى المسيح في الدجال الممسوح العين اليمنى أو اليسرى كما يروى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في ذلك . وقوله : رسول الله اخباره منه ( تعالى ) ان المسيح أرسله الله وجعله نبياً . وقوله : { كلمته ألقاها إلى مريم } فانه يعني بالكلمة الرسالة التي امر الله ملائكته أن يأتي بها بشارة من الله ( تعالى ) لها التي ذكرت في قوله : { قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه } يعني برسالة منه وبشارة من عنده وقال قتادة والحسن : هو قوله : " كن فكان " واختار الطبري الاول وقال الجبائي : ذلك مجاز ، وانما اراد بالكلمة انهم يهتدون بعيسى ، كما يهتدون بكلامه . وكذلك يحيون به في دينهم كما يحيى الحي بالروح ، فلذلك سماه روحا . وقوله : { ألقاها إلى مريم } فمعناه اعلمها بها وأخبرها كما يقال القيت اليك كلمة حسنة بمعنى أخبرتك بها . وكلمتك بها . وقال الجبائي : معنى القاها الى مريم خلقه في رحمها . وقوله : { وروح منه } اختلفوا فيه على ستة اقوال : فقال قوم : معناه ونفحة منه وسماه روحا ، لانه حدث عن نفحة جبرائيل في درع مريم بامر الله له بذلك ، ونسب الى الله ، لانه كان بامره . وانما سمي النفخ روحا ، لانها ريح تخرج من الروح . واستشهدوا على ذلك قول ذي الرمة - واسمه غيلان - في صفة نار نفثها . @ فلما بدت كفنتها وهي طفلة بطلساء لم تكمل ذراعا ولا شبراً وقلت له : ارفعها اليك واحيها بروحك واقتتها لها قيتة قدراً وظاهر لها من يابس الشخت ، واستعن عليها الصبا واجعل يديك لها ستراً @@ معنى احيها بروحك اي بنفخك . وقال بعضهم : معناه انه كان انساناً باحياء الله اياه بتكوينه بلا واسطة من جماع ، ونطفة على مجرى العادة . وقال قوم : قوله : { وروح منه } معناه ورحمة منه . كما قال في موضع : { وأيدهم بروح منه } ومعناه ورحمة منه . قال : فجعل الله عيسى رحمة على من اتبعه ، وآمن به وصدقه ، لانه هداهم الى سبيل الرشاد . وقال آخرون : معنى ذلك وروح من الله خلقها فصورها ، ثم أرسلها الى مريم ، فدخلت في فيها فصيرها الله تعالى روح عيسى ذهب اليه ابو العالية عن أبي ابن كعب . وقال بعضهم : ان معنى الروح - ها هنا - القوة التي كان بها يحيي الموتى قال الراجز : @ اذ عرج الليل بروح الشمس @@ وقال قوم : معنى الروح ها هنا جبرائيل . قالوا : والروح معطوفة به على ما في قوله من ذكر الله تعالى . والمعنى إن القاء الكلمة الى مريم كان من الله تعالى . ثم من جبرائيل . وقوله : { فآمنوا بالله ورسله } أمرٌ من الله اياهم بتصديق الله تعالى ، والاقرار بوحدانيته ، وتصديق رسله فيما جاؤا به من عند الله ، وفيما اخبرهم به أن الله لا شريك له ، ولا صاحبة ولا ولدا . وقوله : { ولا تقولوا ثلاثة انتهوا } نهي لهم عن أن يقولوا الارباب ثلاثة ، وانما رفع ثلاثة بمحذوف دلّ عليه ظاهر الكلام . وتقديره ولا تقولوا : هم ثلاثة . وانما جاز ذلك ، لان القول حكاية ومثل ذلك قوله : { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم } وكذلك كلما ورد من مرفوع بعد القول لا رافع معه ففيه اضمار اسم رافع لذلك الاسم ، ثم قال متوعداً لهم على عظيم قولهم الذي قالوه في الله : انتهوا أيها القائلون الله ثالث ثلاثة عما تقولون من الزوج والشرك بالله ، والانتهاء عن ذلك خير لكم من قولكم لما لكم عند الله من العقاب العاجل لكم على قولكم ذلك ان أقمتم عليه ، ولم ترجعوا إلى الحق . ووجه النصب في { انتهوا خير لكم } ما قلناه في قوله آمنوا خيراً لكم ، فلا وجه لاعادته . وقوله : { إنما الله إله واحد } معناه الاخبار من الله ( تعالى ) ان الذي يحق له العبادة واحد ، لان من كل له ولد ، لا يكون آلهاً وكذلك من كان له صاحبة لا يجوز ان يكون إلهاً معبوداً ، ولكن الله الذي له الالوهية والعبادة إله واحد ، ومعبود واحد لا ولد له ، ولا والد ، ولا صاحبة ، ولا شريك ، ثم نزه تعالى نفسه وعظمها ورفعها عما قاله المبطلون الكافرون فقال : { سبحانه أن يكون له ولد } ولفظة سبحان تفيد التنزيه عما لا يليق به من الولد والصاحبة ، لان من يملك ما في السماوات والارض وما بينهما وله التصرف فيهما ، وفيهم عيسى وامه ، وهم عبيده ، وهو رازقهم وخالقهم ، وهم أهل الحاجة إليه والفاقة ، فكيف يكون المسيح ابناً له ، وهو إما في الارض أو في السماء . وهو تعالي يملك جميع ذلك ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب لانه يصلح ان يقال عن ان يكون او من ان يكون ، فاذا حذف حرف الجر كانت في موضع نصب . وكان الكسائي يقول هو في موضع خفض . والاول قول الفراء وغيره . وقوله : { وكفى بالله وكيلاً } معناه حسب ما في السموات وما في الارض بالله قيما ومدبراً ، ورازقاً من الحاجة معه إلى غيره ومعنى كفى بالله اكتفوا بالله . وقد شبهت النصارى قولها : انه ثلاثة أقانيم جوهر واحد بقولنا : سراج واحد ، ثم نقول . انه ثلاثة اشياء دهن وقطن ونار وللشمس انها شمس واحدة ، ثم نقول انها جسم وضوء وشعاع . قال البلخي ، وهذا غلط ، لانا وان قلنا إنه سراج واحد ، لا نقول هو شيء واحد ، ولا الشمس انها شيء واحد بل نقول هو أشياء على الحقيقة ، كما نقول عشرة واحدة ، وانسان واحد ، ودار واحدة ، وشهر واحد ، وهي اشياء متغايرة . فان قالوا : إن الله شيء واحد حقيقة كما انه إله واحد ، فقولهم بعد ذلك انه ثلاثة مناقضه لا يشبه ما قلناه . وان قالوا : هو اشياء ، وليس بشيء واحد دخلوا في قول المشبهة ، وتركوا القول بالتوحيد . والعجب أنهم يقولون : إن الأب له ابن والابن لا اب له ، ثم يزعمون ان الذي له ابن هو الذي لا اب له ، ويقولون إن من عبد الانسان ، فقد اخطأ وضلٍّ ، ثم يزعمون أن المسيح إله انسان ، وانهم يعبدون المسيح . وقد تكلمنا على ما نعقل من مذاهبهم في الاقانيم والاتحاد والنبوة في كتاب شرح الجمل بما لا مزيد عليه لا نطول بذكره ها هنا .