Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 44-45)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
القراءة والنزول : في الكوفي جعلوا { السبيل } آخر الأولى . وآية واحدة في غير الكوفي . ذكر ابن عباس ، وقتادة ، وعكرمة : أن الآية نزلت في قوم من اليهود ، وكانوا يستبدلون الضلالة بالهدى ، لتكذيبهم بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) بدلا من التصديق به ، مع قيام الحجة عليهم بما ثبت من صفته عندهم ، فكأنهم اشتروا الضلالة بالهدى . وقال أبو علي الجبائي ، وغيره : كانت اليهود تعطي أحبارها كثيراً من أموالهم على ما كانوا يصفونه لهم ، فجعل ذلك اشتراء منهم . وقال الزجاج : كانوا يأخذون الرشا . المعنى : ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها التأكيد للأحكام التي يجب العمل بها ، بالتحذير ممن يدعو إلى خلافها ، ويكذب بها . وقوله : { ألم تر } قال الزجاج ، معناه : ألم تخبر في جميع القرآن ؟ وقال غيره : ألم تعلم ؟ وقال الرماني ، معناه : رؤية البصر ، والمرئي هو الدين ، وإنما دخلت { إلى } ، لأن الكلام يتضمن معنى التعجب ، كقولك : ألم تر إلى زيد ما أكرمه ؟ تقديره : ألم تر عجباً بانتهاء رؤيتك إلى زيد ؟ ثم بين ذلك بقوله : ما أكرمه ، ومثله قوله : { ألم تر إلى ربك كيف مد الظل } كأنه قال : ألم تر عجباً بانتهاء رؤيتك إلى تدبير ربك كيف مدّ الظل ؟ قال : ومن فسره على : ألم تخبر ، ألم تعلم ، فانما ذهب إلى ما يؤول المعنى إليه ، لأن الخبر والعلم لا يصلح فيهما ( إلى ) كما يصلح مع الرؤية . وقوله : { ويريدون أن تضلوا السبيل } معناه : يريد هؤلاء اليهود أن تضلوا ، معشر المؤمنين ، أي تزلوا عن قصد الطريق ، ومحجة الحق ، فتكذبوا بمحمد فتكونون ضلالا ، وفي ذلك تحذير للمؤمنين أن يستنصحوا أحداً من أعداء الاسلام في شيء من أمورهم لدينهم ودنياهم ، ثم بين تعالى أنه أعلم منكم بعداوة اليهود لكم أيها المؤمنون ، فانتهوا إلى طاعتي ، وامتثال أوامري فيما نهيتكم عنه من استنصاحهم في دينكم ، فاني أعلم بباطنهم منكم ، وما هم عليه من الغش ، والحسد ، والعداوة . وقيل معناه : والله يجازيهم على عداوتهم ، كقولك : إني أعلم ما تفعل أي اجازيك عليه . وقوله : { وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً } معناه : إن ولاية الله لكم ، ونصرته إياكم ، تغنيكم عن غيره من هؤلاء اليهود ومن جرى مجراهم ، ممن تطمعون في نصرته . ودخلت الباء في قوله : { بالله } لأحد أمرين : أحدهما - للتأكيد ، لأن الاسم في " كفى الله " كان يتصل اتصال الفاعل ، فلما دخلت الباء صار يتصل اتصال المضاف واتصال الفاعل ، ليعلم أن الكفاية منه ليست كالكفاية من غيره في المرتبة ، وعظم المنزلة ، فضوعف لفظها لمضاعفة معناها . الثاني - لأنه دخله معنى : اكتفوا بالله ، ذكره الزجاج ، وموضعه رفع بلا خلاف . اللغة : والعداوة الابعاد من حال النصرة ، وضدها الولاية ، وهي التقرب من حال النصرة ، وأما البغض فهو إرادة الاستخفاف والاهانة ، وضده المحبة وهي إرادة الاعظام والكرامة . والكفاية بلوغ الغاية في مقدار الحاجة ، كفى يكفي كفاية فهو كاف ، والاكتفاء الاجتزاء بشيء دون شيء ، ومثله الاستغناء ، والنصرة الزيادة في القوة للغلبة ، ومثلها المعونة ، وضدها الخذلان ، ولا يكون ذلك إلا عقوبة ، لأن منع المعونة مع الحاجة عقوبة .