Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 1-5)

Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

خمس آيات فى الكوفى وثلاث فى ما عداه عدّ الكوفيون { حم } وعدّوا { عسق } ولم يعده الباقون . قال ابو عبد الله بن خالويه سألت ابن مجاهد ، فقلت : إن القاف أبعد من الميم ، فلم اظهر حمزة النون عند الميم في ( طسم ) ولم يظهرها عند القاف في ( عسق ) فقال والله ما فكرت في هذا قط ، قال ابو عبد الله الحجة فى ذلك ان ( طسم ) اول سورة النمل ثم جاءت سورتان فيهما الميم ، فبين ليعلم ان الميم زائدة على هجاء السين واتفق اهل الكوفة على ان لم يفردوا السين بين حرفين في الكلام هذا على الأصل . واما الحجة من جهة التخفي ، فان النون تدغم في الميم وتخفى عند القاف والمخفي بمنزلة المظهر ، فلما كره التشديد في ( طسم ) اظهروا لما كان المخفي بمنزلة الظاهر ولم يحتج إلى اظهار القاف ، قال الفراء : ذكر عن ابن عباس انه قال ( حمسق ) بلا عين . وقال السين كل فرقة تكون . والقاف كل جماعة كانت ، قال الفراء وكانت في بعض مصاحف عبد الله مثل ذلك . وقرأ ابن كثير وحده { يوحي إليك } بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله ، فعلى هذا يكون اسم الله مرتفعاً بمحذوف يدل عليه المذكور قال الشاعر : @ ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح @@ أي يبكيه ضارع ، فيكون التقدير يوحى اليك يوحي الله . قال ابو علي : ذكر أن مثل هذه السورة أوحى إلى من تقدم من الأنبياء ، فعلى هذا يكون التقدير يوحي اليك هذه السورة كما اوحى إلى الذين ، وقال الزجاج ، والفراء : يقال إن { حمعسق } اوحيت إلى كل نبي كما اوحيت إلى محمد صلى الله عليه وآله قال ابن عباس : وبها كان علي عليه السلام يعلم الفتن . وقرأ الباقون يوحي - بكسر الحاء - فيكون على هذا إسم الله مرتفعاً بأنه فاعل ( يوحي ) وقد قرىء شاذاً { نوحي } بالنون مع كسر الحاء فعلى هذا يحتمل رفع اسم الله لوجهين : احدهما - ان يكون رفعاً بالابتداء . والثاني - ان يكون مرتفعاً بفعل مقدر يدل عليه { يوحى } الأول ، كما قلناه في من فتح الحاء . ويجوز أن يكون بدلا من الضمير . ويجوز أن يجعل اسم الله خبر ابتداء محذوف ، وتقديره هو الله العزيز الحكيم . وقرأ ابو عمرو وعاصم فى رواية أبي بكر { يكاد } بالياء { ينفطرن } بالياء والنون ، لأن تأنيث السموات غير حقيقي ، وقد تقدم الفعل ولذلك أتت ( يتفطرن ) لما تأخر الفعل عن السموات وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة في رواية حفص ( تكاد ) بالتاء لتأنيث السموات ( وينفطرن ) بالياء والنون لما قدمناه . وقرأ نافع والكسائي { يكاد } بالياء لما قلناه من ان التأنيث غير حقيقي { يتفطرن } بياء ، وتاء و { يتفطرن } في معنى تنفطر وهو مضارع فطرته فتفطر وفطرته بالتخفيف فانفطر ، ومعنى بتفطرن يتشققن . قيل إنما عدوا { حم } و { عسق } آية ولم يعد { طس } لأن { طس } لما انفرد عن نظيره من { طسم } فاشبه الاسم حمل عليه ، ولما لم ينفرد { حم } عن نظيره جرى عليه حكم الجملة التامة التي تعد آية من اجل انها آية . فلما اجتمع في ( طس ) الانفراد عن النظير وأشبه ( قابيل ) وكل واحد من هذين الوجهين يقتضي مخالفة حكم ( طسم ) وجب الخلاف . وأما إنفراد ( حاميم ) بالزنة فقط ، لم يجب الخلاف كما وجب في ما اجتمع فيه سببان . وفى ( حم ) من الفائدة تعظيم الله - عز وجل - السورة وتسميتها وتشريفاً لها وتنويهاً باسمها وإجراؤها في التفصيل مجرى ما يعقل في فضله على ما لا يعقل من الاجسام والاعراض . وقيل ان { حم عسق } انفردت بأن معاينها اوحيت إلى سائر الأنبياء ، فلذلك خصت بهذه التسمية . وقيل إنما فصل { حم عسق } من سائر الحواميم بـ ( عسق ) لان جميعها استفتح بذكر الكتاب على التصريح به إلا هذه السورة فانه دل عليه دلالة التضمين بذكر الوحي الذي يرجع إلى الكتاب ، والوحي أعم من الكتاب في معناه إلا انه دال في هذا الموضع على الكتاب بهذه الصفة . وقوله { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك } قيل في المشبه به في قوله { كذلك } وجهان : احدهما - كالوحي الذي تقدم يوحي اليك . والثاني - هذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحى اليك ، لان ما لم يكن حاضراً يراه صلح فيه ( هذا ) لقرب وقته و ( ذلك ) لبعده في نفسه . ومعنى التشبيه في { كذلك } أن بعضه كبعض في انه حكمة وصواب بما تضمنه من الحجج والمواعظ والفوائد التي يعمل عليها في الدين { وإلى الذين من قبلك } معناه مثل ذلك اوحى إلى الذين من قبلك من الأنبياء وتعبدهم بشريعة كما تعبدك بمثل ذلك . وقوله { العزيز الحكيم } معناه القادر الذي لا يغالب الحكيم في جميع أفعاله . ومن كان بهاتين الصفتين خلصت له الحكمة في كل ما يأتي به ، لانه العزيز الذي لا يغالب والغني الذي لا يحتاج إلى شيء ، ولا يجوز أن يمنعه مانع مما يريده ، وهو الحكيم العليم بالأمور لا يخفى عليه شيء منها لا يجوز أن يأتي إلا بالحكمة . فاما الحكيم غيره يحتاج فلا يوثق بكل ما يأتي به إلا أن يدل على ذلك الحكمة دليل . قوله { له ما في السماوات والأرض } معناه أنه مالكهما ومدبرهما وله التصرف فيهما ولا احد له منعه من ذلك ويكون { العلي } مع ذلك بمعنى المستعلي على كل قادر العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها احد . وقوله { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } قيل فى معناه قولان : احدهما - قال ابن عباس وقتادة والضحاك : يتفطرن من فوقهن من عظمة الله وجلاله . والثاني - ان السموات تكاد تتفطرن من فوقهن استعظاماً للكفر بالله والعصيان له مع حقوقه الواجبة على خلقه ، وذلك على وجه التمثيل ليس لأن السموات تفعل شيئاً او تنكر شيئاً ، وإنما المراد ان السموات لو انشقت لمعصيته استعظاماً لها أو لشيء من الاشياء لتفطرت استعظاماً لكفر من كفر بالله وعبد معه غيره . وقوله { الملائكة يسبحون بحمد ربهم } معناه ينزهونه عما لا يجوز عليه من صفات ، وما لا يليق به من افعال { ويستغفرون لمن في الأرض } من المؤمنين . وفي ذلك صرف الاهلاك لهم ولغيرهم من اهل الأرض يصرفه عنهم . ثم قال { ألا إن الله هو الغفور الرحيم } لعباده عصيانهم تارة بالتوبة وتارة ابتداء منه كل ذلك تفضلا منه ورأفة بهم ورحمة لهم .