Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 89-89)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قرأ " عاقدتم " بالألف ابن عامر ، و " عقدتم " بلا ألف مع تخفيف القاف حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم . والباقون بالتشديد . ومنع من القراءة بالتشديد الطبري ، قال : لانه لا يكون إِلاَّ مع تكرير اليمين والمؤاخذة تلزم من غير تكرير بلا خلاف . وهذا ليس بصحيح لان تعقيد اليمين إِن يعقدها بقلبه ولفظه ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيداً ، وهو كالتعظيم الذي يكون تارة بالمضاعفة وتارة بعظم المنزلة . وقال أبو علي الفارسي من شدد احتمل أمرين : أحدهما - أن يكون لتكثير الفعل القوله { ولكن يؤاخذكم } مخاطباً الكثرة ، فهو مثل { وغلقت الأبواب } والآخر أن يكون ( عقد ) مثل ( ضعف ) لا يراد به التكثير ، كما أن ( ضاعف ) لا يراد به فعل من اثنين . وقال الحسين بن علي المغربي : في التشديد فائدة ، وهو أنه اذا كرر اليمين على محلوف واحد فاذا حنث لم يلزمه إِلا كفارة واحدة . وفي ذلك خلاف بين الفقهاء . والذي ذكره قوي . ومن قرأ بالتخفيف جاز أن يريد به الكثير من الفعلل والقليل إِلا ان فعَّل يختص بالكثير كما أن الركبة تختص بالحال التي يكون عليها الركوب ، وقالوا : عقدت الحبل والعهد واليمين عقداً ألا ترى أنها تتلقى بما يتلقى به القسم ، قال الشاعر : @ قوم اذا عقدوا عقداً لجارهم @@ ويقال : أعقدت العسل فهو معقد وعقيد . وحكى أبو اسحاق عقدت العسل . والأول أكثر . فأما قراءة ابن عامر فيحتمل أمرين : أحدهما - ان يكون عاقدتم يراد به عقدتم كما أن ( عافاه الله ) و ( عاقبت اللص ) و ( طارقت النعل ) بمنزلة فعلت . ويحتمل أن يكون أراد فاعلت الذي يقتضي فاعلين فصاعداً ، كأنه قال يؤاخذكم بما عاقدتم عليه اليمين ، ولما كان عاقد في المعنى قريباً من عاهد عدَّاه بـ ( على ) كما يعدى عاهد بها . قال الله تعالى { ومن أوفى بما عاهد عليه الله } والتقدير يؤاخذكم بالذي عاقدتم عليه ، ثم قال : عاقدتموه الايمان فحذف الراجع . ويجوز أن يجعل ( ما ) مع الفعل بمنزلة المصدر فيمن قرأ عقدتم بالتخفيف والتشديد ، فلا يقتضي راجعاً كما لا يقتضيه في قوله { ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون } وقيل في سبب نزول هذه الآية قولان : أحدهما - قال ابن عباس : إِن القوم لما حرموا الطيبات من المآكل والمناكح والملابس حلفوا على ذلك فنزلت الآية . وقال ابن زيد " نزلت في عبد الله بن رواحة كان عنده ضيف فأخرت زوجته عشاه فحلف لا يأكل من الطعام ، وحلفت المرأة لا تأكل إِن لم يأكل ، وحلف الضيف لا يأكل ان لم يأكلا ، فأكل عبد الله بن رواحة واكلا معه ، وأخبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بذلك فقال له : أحسنت " ونزلت هذه الآية . واللغو في اللغة هو ما لا يعتد به قال الشاعر : @ أو مائة تجعل أولادها لغواً وعرض المائة الجلمد @@ أي الذي يعارضها في قوة الجلمد يعني بالمائة نوقاً أي لا يعتد به بأولادها . ولغو اليمين هو الحلف على وجه الغلط من غير قصد مثل قول القائل : لا والله وبلى والله على سبق اللسان ، هذا هو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( ع ) وهو قول أبي علي الجبائي . وقال الحسن وأبو مالك : هو اليمين على ما يرى صاحبها أنه على ما حلف ولا كفارة في يمين اللغو عند أكثر المفسرين والفقهاء . وروي عن ابراهيم أن فيها الكفارة بخلاف عنه . بين الله تعالى بهذه الاية أنه لا يؤآخذ على لغو الأيمان وأنه يؤآخذ بما عقد عليه قلبه ونواه . وقوله { فكفارته } ( الهاء ) يحتمل رجوعها الى أحد ثلاثة أشياء . أحدها - الى ( ما ) من قوله بما عقدتم الايمان . الثاني - على اللغو . الثالث - على حنث اليمين لانه مدلول عليه . والأول هو الصحيح ، وبه قال الحسن والشعبي وأبو مالك وعائشة . وقوله { إِطعام عشرة مساكين } إِنما ذكر بلفظ المذكر تغليباً للتذكير في كلامهم لأنه لا خلاف أنه لو أطعم الاناث لأجزاه ، ويحتاج أن يعطي قدر ما يكفيهم . وقد حده أصحابنا أن يعطي كل واحد مدِّين أو مدَّاً ، وقدره رطلان وربع منفرداً ، أو يجمعهم على ما هذا قدره ليألكوه . ولا يجوز أن يعطي خمسة ما يكفي عشرة ، وهو قول أبي علي ، وفيه خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف . وهل يجوز اعطاء القيمة ؟ فيه خلاف ، والظاهر يقتضي أنه لا يجزى والروايات تدل على إِجزائه ، وهو قول أبي علي وأهل العراق . وانما ذكر الكفارة في الآية ولم يذكر التوبة ، لان المعنى فكفارته الشرعية كذا . واما العقاب فلأنه يجوز أن تكون المعصية صغيرة أو كبيرة فلأجل ذلك لم يبين . وعندنا أن حكم التوبة معلوم من الشرع ، فلذلك لم يذكر . وقوله { من أوسط ما تطعمون } قيل فيه قولان : أحدهما - الخبز والأدم دون اللحم ، لأن أفضله الخبز واللحم والتمر ، وأوسطه الخبز والزيت أو السمن ، وأدونه الخبز والملح . وبه قال ابن عمر والاسود وعبيدة وشريح . الثاني - قيل : أوسطه في المقدار إِن كنت تشبع أهلك أو لا تشبعهم ، بحسب العسر واليسر ، فبقدر ذلك - هذا قول ابن عباس والضحاك - وعندنا يلزمه أن يطعم كل مسكين مدين ، وبه قال علي ( ع ) وعمر وابراهيم وسعيد بن جبير والشعبي ومجاهد . وقال : يكفيه مد - ذهب اليه زيد ابن ثابت والشافعي والطبري وغيرهم - وروي ذلك في أخبارنا . وقوله { أو كسوتهم } فالذي رواه أصحابنا أنه ثوبان لكل واحد مئزر وقميص ، وعند الضرورة قميص ، وقال الحسن ومجاهد وعطاء وطاوس وابراهيم : ثوب . وقوله { أو تحرير رقبة } فالرقبة التي تجزي في الكفارة كل رقبة كانت سليمة من العاهة صغيرة كانت أو كبيرة مؤمنة كانت أو كافرة والمؤمنة أفضل ، لأن الآية مطلقة مبهمة . وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف . وما قلناه قول أكثر المفسرين : الحسن وغيره ، ومعنى فتحرير رقبة عتق رقبة . وقيل : تحرير من الحرية أي جعلها حرة قال الفرزدق : @ ابني عدانة انني حررتكم فوهبتكم لعطية بن جعال @@ أي أعتقتكم من ذل الهجاء ولزوم العار . وهذه الثلاثة أشياء مخير فيها بلا خلاف وعندنا أنها واجبة على التخيير . وقال قوم إِن الواجب منها واحد لا بعينه . والكفارة قبل الحنث لا تجزي وفيه خلاف . وقوله { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } يحتمل رفعه أن يكون بالابتداء وخبره فكفارته ، ويجوز أن يكون رفعاً بالخبر ، ويكون تقديره فكفارته صيام . وحد من ليس بواجد هو ( من ليس عنده ما يفضل عن قوته وقوت عياله يومه وليلته ) وهو قول قتادة والشافعي . وصوم الثلاثة أيام متتابعة ، وبه قال ابن كعب وابن عباس ومجاهد وابراهيم وقتادة وسفيان وأكثر الفقهاء . ويقويه أنه في قراءة ابن مسعود وابي { صيام ثلاثة أيام متتابعات } . وقال مالك والحسن : التتابع أفضل والتفريق يجوز . فاما اذا قال القائل : إِن فعلت كذا فلله علي أن أتصدق بمئة دينار ، فان هذا نذر عندنا ، وعند أكثر الفقهاء ، - يلزمه به مئة دينار . وقال أبو علي عليه كفارة يمين - لقوله { ذلك كفارة أيمانكم } وهو عام في جميع الأيمان . وهذا ليس بيمين عندنا بل هو نذر يلزمه الوفاء به لقوله { أوفوا بالعقود } واليمين على ثلاثة أقسام : أحدها - عقدها طاعة وحلها معصية ، فهذه يتعلق بحنثها كفارة بلا خلاف كقوله : والله لا شربت خمراً ، ولا قتلت نفساً . الثاني - عقدها معصية وحلها طاعة كقوله : والله لا صليت ولا صمت ، فاذا جاء بالصلاة والصوم ، فلا كفارة عليه - عندنا - وخالف جميع الفقهاء في ذلك واوجبوا عليها عليه الكفارة . الثالث - أن يكون عقدها مباحاً كقوله : والله لا لبست هذا الثوب فمتى حنث تعلق به الكفارة بلا خلاف . وقوله { ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } معناه حنثتم . وقوله { واحفظوا أيمانكم } قيل في معناه قولان : أحدهما - احفظوها أن تحلفوا بها ، ومعناه لا تحلفوا . الثاني - احفظوها من الحنث ، وهو الاقوى ، لأن الحلف مباح إلا في معصية بلا خلاف - وانما الواجب ترك الحنث ، وذلك يدل على أن اليمين في المعصية غير منعقدة ، لأنها لو انعقدت للزم حفظها ، واذا لم تنعقد لم تلزمه كفارة على ما بيناه . وقوله { كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون } معناه إِن الله يبين لكم آياته وفرائضه كما بين لكم أمر الكفارة لتشكروه على تبيينه لكم أموركم ونعمه عليكم وتسهيله عليكم المخرج من الاثم بالكفارة . فأما إِقسام الأيمان وما ينعقد منها وما لا ينعقد وشرائطها ، فقد بيناها في كتب الفقه مشروحة لا نطول بذكرها الكتاب .