Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 6-11)
Tafsir: at-Tibyān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما حكى الله تعالى عن الكفار أنهم كذبوا بالحق الذي هو القرآن وجحدوا البعث والنشور والثواب والعقاب ، وتعجبوا من ذلك نبههم الله تعالى على ذلك وبين لهم الطريق الذي إذا نظروا فيه علموا صحته ، فقال { أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها } ومعناه أفلم يفكروا فى بناء هذه السماء وعظمها ، وحسن تزيينها فيعلموا أن لها بانياً بناها وصانعاً صنعها وانه لا بد أن يكون قادراً عليها ، وانه لا يعجزه شيء ، لأنه لا يقدر على مثل ذلك إلا القادر لنفسه الذي لا يجوز عليه العجز ويعلمه ، لانه عالم بما يرون من إحكام الصنعة فيها وانه الذي لا يخفى عليه خافيه وقوله { وزيناها } يعني حسنا صورتها بما خلقنا فيها من النجوم الثاقبة والشمس والقمر ، وانه { ما لها من فروج } أي ليس فيها فتوق يمكن السلوك فيها وإنما يسلكها الملائكة بأن يفتح لها أبواب السماء إذا عرجت اليها . ثم قال { والأرض مددناها } أي بسطناها ، وتقديره ومددنا الارض مددناها ، كما قال { والقمر قدرناه } فيمن نصب ولو رفع كان جائزاً ، والنصب أحسن - هٰهنا - لكونه معطوفاً على بنيناها ، فعطف الفعل على الفعل احسن . ثم قال { وألقينا فيها رواسي } أي طرحنا جبالا تمنعها من الحركة ليتمكن استقرار الحيوان عليها { وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج } قال ابن زيد : البهيج الحسن المنظر والبهجة الحسن الذي له روعة عند الرؤية ، كالزهرة والاشجار الملتفة والرياض الخضرة في الأنواع المتشاكلة والمباري المصطفة خلالها الأنهار الجارية . وقوله { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب } أي فعلنا ذلك وخلقناه على ما وصفناه ليتبصر به ويتفكر به كل مكلف كامل العقل يريد الرجوع إلى الله والانابة اليه . ثم قال { ونزلنا من السماء ماء مباركاً } يعني مطراً وغيثاً { فأنبتنا به } بذلك الماء { جنات } أي بساتين فيها أشجار تجنها { وحب الحصيد } يعني البرّ والشعير ، وكل ما يحصد - فى قول قتادة - لان من شأنه ان يحصد ، والحب هو الحصيد ، وإنما أضافه إلى نفسه ، كما قال { لحق اليقين } وكما قالوا : مسجد الجامع وغير ذلك . وقوله { والنخل } عطف على ( جنات ) فلذلك نصبه و { باسقات } أي عاليات يقال : بسقت النخلة بسوقاً قال ابن نوفل لابن هبيرة : @ يا بن الذين بفضلهم بسقت على قيس فزاره @@ وقال ابن عباس { باسقات } طوال النخل ، وبه قال مجاهد وقتادة { لها طلع نضيد } أي لهذه النخل التي وصفها بالعلو { طلع نضيد } نضد بعضه على بعض - في قول مجاهد وقتادة - وقوله { رزقاً للعباد } أي خلقنا ما ذكرنا من حب الحصيد والطلع النضيد رزقاً للعباد وغذاء لهم ، وهو نصب على المصدر أي رزقناهم رزقاً ، ويجوز أن يكون مفعولا له أي لرزق العباد والرزق هو ما للحي الانتفاع به على وجه ليس لغيره منعه منه ، والحرام ليس برزق ، لان الله تعالى منع منه بالنهي والحظر وكل رزق فهو من الله تعالى إما بأن يفعله او يفعل سببه ، لانه مما يريده . وقد يرزق الواحد منا غيره ، كما يقال : رزق السلطان الجند . وقوله { وأحيينا به بلدة ميتاً } أي احيينا بذلك الماء الذي انزلنا من السماء بلدة ميتاً أي جدباً قحطاً ، لا تنبت شيئاً ، فأنبتت وعاشت ثم قال { كذلك الخروج } أي مثل ما أحيينا هذه الأرض الميتة بالماء ، مثل ذلك نحيي الموتى يوم القيامة فيخرجون من قبورهم لأن من قدر على أحدهما قدر على الآخر ، وإنما دخلت على القوم شبهة من حيث انهم رأوا العادة جارية باحياء الارض الموات بنزول المطر عليها ، ولم يروا إحياء الاموات ، فظنوا انه يخالف ذلك ، ولو انعموا النظر لعلموا ان القادر على احدهما قادر على الآخر .